قصة سباق أم قصة حياة؟ عداؤون يتحدون قسوة الصحراء من أجل الطفل “علي” (شاهد)

تحت لهيب شمس الصحراء المغربية، قرر العدّاء اللبناني غسان حجار وصديقه الرياضي سيرج تشوبوليان خوض تجربة استثنائية.

فبعد مرور عقد على مشاركة حجار الأولى في “ماراثون الرمال”، الذي يُعد واحدا من أصعب السباقات الصحراوية في العالم، عاد إلى الميدان ذاته من جديد، لكن بدافع مختلف، حاملا رسالة تتجاوز حدود التحدي الرياضي نحو أبعاد إنسانية أعمق.

بعد إنساني

وقال حجار للجزيرة مباشر: “قد أكون رجل أعمال في حياتي اليومية، لكن في الرياضة لي حكاية أخرى، بدأت قبل عقد من الزمن حين خضت تجربة غير عادية في صحراء المغرب، حيث شاركت في ماراثون الرمال، وهو سباق يمتد على مسافة 250 كيلو مترا، يتطلب من المشاركين الاكتفاء الذاتي التام وسط ظروف مناخية قاسية”.

وأضاف أنه بعد مرور 10 سنوات، قرر حجار أن يعيد إحياء هذه التجربة، ولكن هذه المرة، بمنظور مختلف يحمل بعدا إنسانيا.

وقال “في إبريل/نيسان 2025، عرضت الفكرة على صديقي الرياضي سيرج تشوبوليان، وقررنا خوض السباق معا، ولكن ربطناه بقصة شاب لبناني يُدعى علي معركش، مصاب بسرطان الدم (اللوكيميا)”.

وأوضح حجار أنه تعرف إلى الطفل علي من خلال الدكتورة رولا فرح، مؤسسة جمعية “تشانس” للأطفال المرضى بالسرطان.

وأشار حجار إلى أن تجربته هذه المرة كانت توثيقا مزدوجا، فهي تتضمن جهدا جسديا في عمق الصحراء، ورسالة إنسانية نُقلت يوميا من قلب السباق إلى متابعيهم في لبنان عبر الصور ومقاطع “الفيديو”، لدعم الطفل علي ومساندته في معاناته.

وأضاف حجار “أردنا أن نُظهر أن ما نواجهه من مشقة يومية في السباق يوازي –ولو رمزيا– معاناة حقيقية يعيشها آلاف الأطفال المصابين بالسرطان. ركّزنا على حالته بهدف خلق تفاعل وتأثير وجداني مباشر”.

تذكير بحالة علي

أما سيرج تشوبوليان، وهو رياضي متعدد المواهب يمارس الركض والتزلج والاسكواش وغيرها من الرياضات، فأعرب عن حماسته لخوض هذا التحدي، بعد أن علم بتجربة غسان السابقة قبل 10 سنوات.

ووصف سيرج معاناتهم في السباق وكيف قطعوا مسافات طويلة تقارب 250 كيلو مترا على مدار 6 أيام، مشيرا إلى أن هذه الرياضة تعد واحدة من أكثر الرياضات تحديا وصعوبة على مستوى العالم، حيث تصل درجات الحرارة إلى 40 درجة مئوية، ما يجعل كل خطوة تشكل تحديا، وكان على كل مشارك حمل معداته كاملة على ظهره بوزن يبلغ 10 كيلو غرامات لكل عداء.

وأضاف سيرج، في حديثه للجزيرة مباشر: “كل لحظة عشناها في هذا السباق كانت بمثابة تذكير بحالة علي. الألم والتعب والعطش، كل هذا جعلنا نتمسك أكثر بالأمل”.

نوع نادر وخطر

ويبلغ الطفل علي معركش 14 عاما، وقد شُخص في شهر أكتوبر/تشرين الأول بنوع نادر وخطر من سرطان الدم يُعرف باسم “اللوكيميا النخاعية الحادة” (Acute Myeloid Leukemia)، وهو نوع خطر من السرطان يعد من بين الأصعب من حيث العلاج، إذ يتطلب دخول المستشفى مرات عديدة، حيث يخضع المريض لعلاج كيميائي مكثّف قد يؤدي إلى هبوط حاد في المناعة، مما يضطره إلى تلقّي نقل دم متكرر، وعلاج للالتهابات داخل المستشفى.

منحوني الأمل

وأشادت الدكتورة رولا فرح، رئيسة جمعية “تشانس” وأخصائية أمراض الدم والأورام عند الأطفال، بالطفل علي، وقالت للجزيرة مباشر “علي من أول لحظة أثبت إنه بطل. هو مصاب بنوع من اللوكيميا من أصعب الأمراض السرطانية، ويتطلب علاجا طويلا وشاقا، من دخول متكرر إلى المستشفى، إلى نقل دم، إلى إمكانية هبوط المناعة”.

وتابعت “مع ذلك، فإن تجاوبه مع العلاج كان رائعا، ونحن اليوم سعداء لأنه يحقق تجاوب بنسبة 100%، لكن التحدي الحقيقي هو الاستمرارية، خصوصا مع الأوضاع المادية الصعبة لعائلته، وهنا كان لا بد من تدخل الجمعية لتأمين العلاج الكامل لعلي”.

وأضافت “الجانب العلاجي وحده لا يكفي، فالأطفال المصابون بالسرطان يعانون نفسيا بقدر ما يعانون جسديا، وقد زاراه غسان حجر وسيرج تشوبوريان، وشكل هذا اللقاء دفعا نفسيا هائلا له. وهذا المبادرات تمنح الطفل إحساسا بأنه ليس وحده، وأننا جميعا نقف إلى جانبه، لنمنحه العلاج والدعم النفسي معا”.

وعبّر الطفل علي معركش عن سعادته بهذا الدعم، وقال للجزيرة مباشر “منذ لحظة دخولي إلى المستشفى كنت فاقدا للأمل لأن أوضاعنا كانت صعبة للغاية، ولكن بعد تدخل الجمعية والدكتورة رولا ومؤسستها، ولولا مبادرة العدائين غسان وسيرج، لما وصلت إلى الحالة التي أنا عليها الآن. فقد منحوني الأمل من أجل الاستمرار في علاجي والتعافي منه”.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان