حق المواطنة في مهب الريح.. المحكمة العليا الأمريكية تمهد لحرمان آلاف الأطفال من الجنسية

نائب المدعي العام الأمريكي خلال الإعلان عن حكم المحكمة العليا بخصوص حق المواطنة بالولادة
نائب المدعي العام الأمريكي خلال الإعلان عن حكم المحكمة العليا في حق المواطنة بالولادة (الأوروبية)

على مدار أكثر من قرن من الزمن، ظل حق الجنسية بالولادة في الولايات المتحدة أحد ركائز الهوية الأمريكية، وكان يضمن لكل طفل يولد على الأراضي الأمريكية الحصول على الجنسية بغض النظر عن وضع والديه القانوني. إلا أن هذا الحق أصبح اليوم في مهب الريح، بعد سلسلة تطورات قانونية وسياسية أشعلت نقاشًا واسعًا حول مستقبل المواطنة في البلاد.

في 27 يونيو/حزيران 2025، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية قرارًا مثيرًا للجدل يقضي بتقييد سلطة القضاء الفدرالي في وقف تنفيذ الأوامر التنفيذية الصادرة عن الرئيس الأمريكي.

ورغم أن القرار جاء في إطار قضية إجرائية، فإن تبعاته القانونية كانت فورية ومباشرة، إذ مهّد الطريق أمام إدارة الرئيس دونالد ترامب للمضي قدمًا في تنفيذ قرار أصدره في أول أيام ولايته الثانية، يقضي بحرمان الأطفال المولودين في الولايات المتحدة من الجنسية الأمريكية إذا لم يكن أحد والديهم يحمل الجنسية أو الإقامة الدائمة.

تقويض الدستور

هذا التحول الخطير أثار موجة من القلق بين الحقوقيين والسياسيين، وسط تحذيرات من أنه قد يمثل مقدمة لتقويض التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي، الذي ينص صراحة على أن “كل من وُلد في الولايات المتحدة وخضع لسلطتها القضائية، هو مواطن لها”. ويعود هذا النص إلى عام 1868، وكان قد أُكد لاحقًا بحكم المحكمة العليا في قضية “وونغ كيم أرك” عام 1898.

مخاوف من التهميش

إيمان عوض، مديرة السياسات والمناصرة بمنظمة “إمجيج أكشن”، وصفت القرار بأنه “مقلق للغاية”، مشيرة إلى أنه يمثل “زحزحة لحجر الأساس للهوية الأمريكية”. وأضافت في تصريحات للجزيرة مباشر “وجود طفل بلا أوراق ثبوتية مثل شهادة الميلاد أو جواز السفر يعني حرمانه من التعليم والعمل والرعاية الصحية والخدمات الأساسية، مما يكرّس العزلة ويعرضهم للتهميش”.

أما المحامي حيدر سميسم، المتخصص في قضايا الهجرة واللجوء، فقال “انعدام الجنسية في أمريكا يشابه حالة البرزخ قانونيًّا، فالشخص لا هو في الجنة ولا في النار، لا هو على قيد الحياة القانونية ولا على قيد الحساب”.

وحذر من أخطار قانونية وإنسانية قائلا: “إذا وُلد طفل في أمريكا لأبوين لا يحملان أي جنسية، مثل معارض كُوبي أسقطت بلاده جنسيته، فسيكون بلا وطن، لا أمريكي ولا كوبي”.

وأضاف سميسم “القرار محاولة من المحكمة العليا لمنح صلاحيات للرئيس تتجاوز ما نص عليه الدستور الأمريكي، وهو سابقة خطيرة تهدد التوازن بين السلطات”، لكنه ختم بنبرة أمل قائلا “المجتمع الأمريكي سينجو ويعبر هذه المرحلة، لأن نظام ترامب طارئ ولا يمثل القيم الأمريكية الأصيلة”.

كارثة قادمة

التقديرات التي نشرها معهد سياسات الهجرة تشير إلى أن نحو 255 ألف طفل قد يولدون سنويًّا بلا جنسية نتيجة القرار، مما قد يرفع العدد إلى 1.7 مليون طفل بحلول عام 2075. وحذّر تحليل مشترك لمعهد السياسة الحضرية وجامعة بنسلفانيا من أن عدد الأطفال المولودين لآباء مهاجرين غير موثقين قد يصل إلى 11.1 مليون بحلول نفس العام، مما ينذر بظهور طبقة اجتماعية من الأشخاص المحرومين من الحقوق والخدمات.

انقسامات داخل المحكمة العليا

داخل أروقة المحكمة العليا، لم تمر جلسات المداولات دون انقسامات حادة. القاضية كيتانجي براون جاكسون أعربت عن خشيتها من أن يتحول النظام القضائي إلى “لعبة قانونية”، حيث يضطر كل فرد إلى رفع دعوى قضائية لحماية أبسط حقوقه الدستورية. أما القاضية سونيا سوتومايور، فقد وجهت انتقادات لاذعة للقرار، محذرة من أنه “خطر شامل على الحريات”، متسائلة بقلق: “إذا استُهدف حق الجنسية الآن، فأي حق سيتم استهدافه لاحقًا؟ حرية التعبير؟ حرية الاعتقاد؟”.

معركة دستورية مؤجلة

وزارة العدل الأمريكية أكدت أن قرار المحكمة العليا لا يحسم الجدل حول دستورية مرسوم ترامب التنفيذي، مشيرة إلى أن المحكمة العليا ستنظر في الطعن في دستورية القرار في أكتوبر المقبل. ومع استمرار الغموض القانوني، حذرت منظمات حقوقية مثل الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية من تداعيات القرار، واصفة إياه بأنه “قاسٍ وغير قانوني”.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان