برلمان فرنسا يواجه “تيك توك”.. مخاوف نفسية أم هواجس جيوسياسية؟

رئيس لجنة التحقيق البرلمانية الفرنسية الخاصة بتطبيق "تيك توك" النائب آرثر دولابورت
رئيس لجنة التحقيق البرلمانية الفرنسية الخاصة بتطبيق "تيك توك" النائب آرثر دولابورت (الفرنسية)

أنهت لجنة التحقيق البرلمانية الفرنسية الخاصة بتطبيق “تيك توك”، في الأسبوع الأخير من يونيو/حزيران الماضي، أعمالها بعد أشهر من الجلسات التي انتهت إلى أن استخدام التطبيق يتسبب في مخاطر نفسية على القاصرين.

لكن نتائج التحقيق أعادت إلى الواجهة جدلا أوسع في أوروبا، وهو: هل المخاوف من “تيك توك” تتعلق فعلا بالصحة النفسية؟ أم أنها انعكاس لصراع سياسي وأمني مع الصين؟

اللجنة تدق ناقوس الخطر

في مقابلة مع صحيفة (لوموند) الفرنسية، أوضح رئيس اللجنة النائب آرثر دولابورت أن المنصة تمثل “عامل اضطراب نفسي خطير”، وخصوصا عبر خوارزميتها التي تروّج لمحتوى متطرف وسلبي، يُفاقم مشاعر القلق والاكتئاب ويؤدي إلى حرمان الشباب من النوم، على حد قوله.

أما النائبة لور ميلر، مقررة اللجنة، فقد دعت إلى تطبيق “مبدأ الحيطة”، وقالت إن “كل شهر يمرّ دون تنظيم استخدام التطبيق هو تضحية بجزء من الجيل الشاب”.

واتهمت اللجنة شركة “تيك توك” بالتهرب من مسؤولياتها، وإنكار التأثير الفعلي للتطبيق على المستخدمين القاصرين، رغم الأدلة الميدانية وشهادات الضحايا.

ووصفت اللجنة جلسة استجواب ممثلي الشركة بأنها “درس في المراوغة السياسية”، وأكدت أن لديهم القدرة التقنية على التحقق من أعمار المستخدمين، لكنهم يرفضون تطبيقها بذرائع واهية.

المحكمة العليا الأمركية أيدت حظر تيك توك في الولايات المتحدة
المحكمة العليا الأمريكية أيدت حظر “تيك توك” في الولايات المتحدة (رويترز)

معركة صحية أم سياسية

خلّف هذا الخطاب الحقوقي والإنساني الذي يصدح به البرلمان الفرنسي وقبله دول أوروبية أخرى، تبرز مخاوف مختلفة لا تقل أهمية، بل وربما تسبقها في دوافعها.

صنفت تقارير أوروبية “تيك توك” باعتباره “حصان طروادة” صيني داخل المجتمعات الغربية، وفق تقرير نشرته صحيفة (بوليتيكو) الأمريكية في فبراير/شباط 2023.

ويتهم مسؤولون أمنيون المنصة بجمع بيانات حساسة لصالح الصين، ما دفع الاتحاد الأوروبي ومؤسسات رسمية مثل البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية إلى حظر التطبيق على الأجهزة الحكومية.

ويُرجّح خبراء أن القلق الأوروبي من “تيك توك” لا يتعلق فقط بمحتواه أو تأثيره في الشباب، بل بوصفه رمزا لامتداد نفوذ الصين عبر أدوات التأثير الرقمي، فقد كشفت صحيفة (الغارديان)، أن خطاب القلق الصحي لا يعدو كونه “قشرة سطحية” تغطي معركة سيادية على المجال السيبراني، وخصوصا في ظل تصاعد التوتر التجاري والعسكري بين الغرب والصين.

يستخدم تطبيق تيك توك الصيني مئات الملايين حول العالم
يستخدم تطبيق “تيك توك” الصيني مئات الملايين حول العالم (غيتي)

تفاعل المراهقين وأرباح الشركات

أحد أبرز ما كشفته اللجنة الفرنسية هو أن الاقتصاد الرقمي الذي تتحكم به هذه المنصات يقوم على التفاعل والمشاهدات، بغض النظر عن محتوى التفاعل أو أثره.

وأوضح رئيس اللجنة أن كثيرا من المؤثرين يحققون أرباحا طائلة من محتوى موجه للقاصرين، حتى عندما يكون هذا المحتوى مضرا أو مثيرا للجدل، بل إن بعضهم -بحسب اللجنة- استغل جلسات الاستماع البرلمانية نفسها للظهور الإعلامي وكسب مزيد من الشهرة، بدلا من أن يخضع للمساءلة.

في تحليل نشرته قناة (فرانس 24)، رأى محللون أن فتح البرلمان الفرنسي لهذا الملف لا يخلو من رسائل سياسية موجهة إلى بيجين، فبينما تغضّ السلطات الطرف عن سياسات “ميتا” و”يوتيوب”، فإنها تتخذ موقفا أكثر عدائية تجاه “تيك توك” وحده، رغم اشتراك التطبيقات في الكثير من المخاطر.

(بيت دانس) هي الشركة التي أطلقت تطبيق تيك توك
“بيت دانس” هي الشركة التي أطلقت تطبيق تيك توك (غيتي)

توصيات سياسية

من المتوقع أن تُنشر نتائج اللجنة في سبتمبر/أيلول 2025، متضمنة توصيات قد تشمل فرض قيود أكثر صرامة على “تيك توك” ومنصات أخرى، وتُطالب اللجنة بإعادة النظر في القوانين الأوروبية لحماية الأطفال، والسماح للمنصات بوضع شروط استخدام “أخلاقية تتجاوز ما يسمح به القانون” في قضايا مثل المحتوى الجنسي أو التمييز.

ورغم الجدل، تقول ميلر إن هذه اللجنة “ليست حزبية”، بل خطوة جامعة لحماية الأجيال القادمة، وإنه “من غير المقبول أن يبقى صناع القرار مشلولين بينما تتضاعف المخاطر”.

المصدر: الجزيرة مباشر + صحف ومواقع أجنبية

إعلان