أكثر من 10 ملايين مدخن.. أرقام صادمة تهدد الأسرة المصرية

أظهر إحصاء رسمي حديث في مصر أن نسبة المدخنين تصل إلى 14.2% من إجمالي عدد السكان في أعمار 15 سنة فأكثر أي حوالي 10.3 ملايين شخص.
وكشف التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (وهو جهاز حكومي) بمناسبة اليوم العالمي للامتناع عن التدخين (31 مايو/أيار) أن أعلى نسبة للمدخنين توجد في الفئة العمرية الواقعة بين 35 و44 عاما، إذ تبلغ نسبة المدخنين بينهم 19.2%، تليها الفئة العمرية الواقعة بين 45 و54 عاما ويمثل المدخنون فيها 18.5%، ثم الفئة الواقعة بين 25 و34 عاما بنسبة حوالي 17%.
وتمثل الأرقام تهديدا صحيا واقتصاديا ليس للمدخن فحسب، بل تمتد انعكاساته السلبية المدمرة إلى الأسرة المصرية، بحسب خبراء اقتصاد ومتخصصين تحدثوا للجزيرة مباشر.
وقال الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة المصرية للجزيرة مباشر، إن “الدولة لديها استراتيجية متكاملة لمواجهة الظاهرة التي تمتد آثارها السلبية من المدخن إلى الزوجة والأطفال والمجتمع عموما، رغم أنها تواجه تحديا يتعلق بقناعة المدخن نفسه، يدفعها إلى بذل جهود أكبر تتعلق بمواجهة الأمراض والآثار السلبية للتدخين”.

عواقب مدمرة
وتشير الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة إلى وفاة أكثر من 8 ملايين شخص سنويا بسبب تعاطي التبغ.
وقالت الدكتورة فاطمة العوا، المستشارة الإقليمية لمبادرة التحرر من التبغ بمنظمة الصحة العالمية، للجزيرة مباشر: “منتجات التبغ ليست جائحة تلقائية وإنما هي جائحة بفعل فاعل وهي شركات التبغ، التي تدفع بكل السبل لاستخدام منتجاتها الجديدة والحديثة”.
وتشير فاطمة العوا إلى أن “الإحصائيات توضح أن حوالي 37 مليون طفل في العالم يستخدمون منتجات التبغ، وهو رقم مفزع، وعلينا استخدام كل الوسائل لمنع الترويج للصغار الذي يعتمد أساليب منها: النكهات المختلفة، والتغليف الجذاب الناعم، والأطعمة الحلوة، التي تخفي وراءها حقائق مرة”.

انعكاسات سلبية على الأسرة المصرية
وكشف الدكتور عبد المنعم السيد، رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، للجزيرة مباشر أن “الإنفاق على التبغ يصل في بعض الفئات إلى 20 ألف جنيه (400 دولار) سنويا، وهو رقم متوسط قابل للزيادة”.
واعتبر الخبير الاقتصادي في حديثه للجزيرة مباشر أن نتائج إحصاءات أعداد المدخنين الحديثة “مؤسفة”، إذ يتسبب التدخين في زيادة النفقات الصحية للأسر، وخسائر في الإنتاجية، وتكاليف إضافية للحرائق والبيئة وغيرها.
وأشار إلى أن المدخنين غالبا ما يعانون من صعوبة في العثور على فرص عمل، أو يتقاعدون عن العمل مبكرا بسبب الآثار المرضية للتدخين، مما يساهم في زيادة معدلات الفقر والبطالة.
وتبلغ نسبة المدخنين بين الذكور في مصر 28.5%، مقابل 0.2% فقط بين الإناث، مما يشير إلى أن ظاهرة التدخين في مصر هي “ظاهرة ذكورية” بالأساس.
وبحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن نسبة الأسر التي بها فرد مدخن على الأقل على مستوى الجمهورية تبلغ 33.5%، فإذا ما استثنينا أعداد المدخنين من تلك الأسر يصبح لدينا نحو 26 مليون فرد غير مدخن، ولكنه عرضة للتدخين السلبي بسبب وجود فرد مدخن داخل الأسرة.
وينفق المدخنون أموالًا طائلة على السجائر، مما قد يقلل من قدرتهم على الادخار والاستثمار في المستقبل، وخصوصا بعد تجاوز ثمن العلبة الواحدة من بعض أنواع السجائر 100 جنيه (نحو دولارين)، في حين يتجاوز متوسط أسعار جميع أنواع السجائر عموما 60 جنيها (1.2 دولار).

تأثيرات في المجتمع بأكمله
التأثيرات الاقتصادية السلبية للتدخين تشمل المجتمع كله جراء زيادة عدد المرضى الذين يحتاجون إلى العلاج والرعاية، مما يؤثر في ميزانية الدولة، ويقلل من قدرتها على توجيه المزيد من الموارد إلى مجالات أخرى.
كما يؤثر التدخين، بحسب الخبير الاقتصادي عبد المنعم السيد، في صحة العاملين مما يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، مشيرا إلى أن رفع مستوى الوعي والسلوك والتعليم، وتطبيق القوانين التي تحظر التدخين في الأماكن العامة والمغلقة، هي وسائل تحد من انتشار التدخين، وخصوصا بين فئات الشباب.
ولدى وزارة الصحة المصرية، بحسب المتحدث الرسمي باسمها، استراتيجية من شقين لمواجهة الظاهرة: الأول يتعلق بالتوعية بمخاطر التدخين عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، والمؤسسات التعليمية.
أما الشق الثاني، وهو العلاجي، فيتعلق بعلاج الآثار السلبية للتدخين والأمراض الناجمة عنه من خلال الأمانة العامة للصحة النفسية، وهو مسؤول عن التعامل بشكل مباشر مع المدخنين عبر خط ساخن للمساعدة في الإقلاع عن التدخين، إضافة إلى وجود إدارة خاصة بالحد من التدخين تتبع قطاع الطب العلاجي.
وفي هذا السياق، كشفت الدكتورة فاطمة العوا أن المبادرة العالمية للتحرر من التبغ تستهدف خفض معدلات استهلاك التبغ بنسبة 30% بحلول عام 2030، لافتة إلى أن الإقليم بوجه عام يشهد انخفاضا في استهلاك التبغ، لكن هناك ثلاث دول يُتوقع أن تشهد ارتفاعا في معدلات الاستهلاك وهي مصر والأردن وسلطنة عمان.

الأطفال الحلقة الأضعف
تشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو 65 ألف طفل، أقل من 15 عاما، يلقون حتفهم كل عام بسبب أمراض مرتبطة بالتدخين غير المباشر.
ولا توجد إحصاءات رسمية بشأن عدد المدخنين من الأطفال دون سن البلوغ، لكن ظاهرة تدخين الأطفال ترتبط بظواهر اجتماعية أخرى لا تقل خطورة مثل أطفال الشوارع، والتفكك الأسري، وضعف الرقابة في ظل ارتفاع نسب الطلاق.
وقالت الدكتورة فاطمة العوا إنه “لا تكاد تخلو دولة من جائحة التبغ”، مشيرة إلى تحذير المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية في شرق المتوسط هذا العام من أن إقليم شرق المتوسط يشهد أعلى معدلات لاستهلاك التبغ بين الشباب في سن 13-15 عاما، بمعدل وصل بين الذكور الصغار إلى 15%، “وهي النسبة العليا بين كل أقاليم منظمة الصحة العالمية”، ولذلك دعت المنظمة إلى ضرورة تطبيق سياسات مكافحة التبغ بكل حسم.