لينقذ البشرية.. رجل لدغته الثعابين 200 مرة

تيم فريد
تيم فريد

في قبو منزله الهادئ ببلدة “تو ريفرز” في ولاية ويسكونسن الأمريكية، جلس تيم فريد وحيدا، مشوشا ومنهكا نفسيًا في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

كان العالم يتغير، وتيم تغيّر أيضًا بطريقة لم يتخيلها أحد، إذ بعد أيام من العزلة، استيقظ من غيبوبة كادت تودي بحياته، بعدما لدغه اثنان من أكثر الثعابين سُمّية في العالم.

تلك الحادثة كادت تضع حدًا لحياته، لكنها لم تردعه، بل كانت البداية لمسيرة غير مسبوقة، غريبة، وخطيرة.. مسيرة جعلته يتلقى أكثر من 200 لدغة ثعبان سام عمدًا، ويحقن نفسه بسمّها أكثر من 650 مرة على مدى 18 عامًا. كل ذلك، بهدف واحد: اكتساب مناعة ذاتية ضد السموم، والمساعدة في تطوير مضاد شامل لسمّ الثعابين يمكنه إنقاذ أرواح البشر حول العالم.

يقول تيم فريد -الميكانيكي السابق (57 عامًا)- في مقابلة عبر الفيديو مع وكالة فرانس برس “أعرف معنى الموت من لدغة ثعبان.. ومع ذلك، كنت أعود إليهم في كل مرة”.

لدغات مؤلمة

بدأ شغف فريد في سن الخامسة، بعد أول لدغة من ثعبان غير سام جعلته يبكي ويركض إلى والدته. لم تمنعه الصدمة من الاستمرار، بل راح يحضر الزواحف إلى المنزل مخبأة في “مرطبانات المخلل”، ما أثار رعب أسرته.

ومع الوقت، علّم نفسه كيفية استخراج السم، وبدأ يستخدم جسده كمختبر حي. اختار بإرادته أن يلدغ من أخطر الزواحف على وجه الأرض: الكوبرا، التايبان، المامبا السوداء، والأفاعي الجرسية، قائلا إن الألم كان “حاضرًا في كل مرة”.

لكن تيم لم يكن يسعى إلى الشهرة أو التحدي فقط، كان يؤمن بأنه يستطيع أن يصنع فرقًا حقيقيًا في عالم الطب، فمضادات السموم المتوافرة حاليًا فعّالة ضد نوع واحد أو عدد محدود من الثعابين، وتُنتج عبر عملية تقليدية تعتمد على حقن الحيوانات، ما يجعلها بطيئة ومكلفة وغير فعّالة في حالات كثيرة.

من “مهووس بالثعابين” إلى مادة علمية في مجلة “سيل”

سنوات طويلة قضاها تيم وهو يُجري تجاربه وحيدًا، دون دعم علمي يُذكر. سخر منه كثيرون واتهموه بالجنون حتى جاء عام 2018، حين رصده عالم المناعة جايكوب غلانفيل بالصدفة أثناء بحثه عن “مهووس ثعابين تعرّض للدغات كثيرة عن طريق الخطأ”، لكن بدلا من أن يجد شخصًا ساذجًا، وجد أمامه رجلا يحمل تجربة ثمينة قد تغيّر قواعد اللعبة.

قال له في أول اتصال “قد يبدو هذا غريبًا.. لكنني أريد بعضًا من دمك”.

وبالفعل، أخذ غلانفيل عينات من دم تيم ودرس الأجسام المضادة المتكونة لديه، وفي مايو/أيار 2024، نشرت مجلة Cell المرموقة دراسة علمية كشفت أن دم تيم يحتوي على أجسام مضادة فريدة قادرة على مواجهة مجموعة واسعة من سموم الثعابين.

واستخدم الباحثون هذه الأجسام في إنتاج مضاد تجريبي مكوّن من جسمين مضادين من دم تيم، إلى جانب دواء مثبط يُعرف باسم “فايرسبلاديب” (varespladib)، أثبت فعاليته في حماية الفئران من سم 13 نوعًا من أصل 19 خضعت للاختبارات.

نحو مضاد عالمي لسم الثعابين

النتائج الأولية تمنح بارقة أمل لضحايا لدغات الثعابين حول العالم، ويُقدَّر عددهم سنويًا بـ138 ألف وفاة و400 ألف حالة بتر أو عجز دائم، معظمهم في مناطق فقيرة ومعزولة، وفق منظمة الصحة العالمية.

وتعمل حاليًا شركة Centivax التي أسسها غلانفيل على تطوير مضاد عالمي لسم الثعابين، قد يتوافر يومًا ما في قلم حقن ذاتي، يُستخدم مثل “الإيبي بن” لعلاج الحساسية المفرطة.

أما تيم فريد، فقد أصبح موظفًا في “سنتيفاكس”، وفخور بأنه ترك بصمة في العلم، رغم أنه لم يُكمل تعليمه الجامعي. لكنه يعترف بشيء من الحنين “أفتقد حقن نفسي بالسم.. لكنني أعرف أنني قد أكون أنقذت أرواحًا كثيرة”.

المصدر: الجزيرة مباشر + وكالات

إعلان