من بينها التوتر والاكتئاب.. كيف تعالج الموسيقى العقول؟

الاكتئاب أكثر الأمراض التي نجح فيها العلاج بالموسيقى
الاكتئاب أكثر الأمراض التي نجح فيها العلاج بالموسيقى (أسوشيتد برس)

يبحث الإنسان دائما عن مأوى صغير يبتعد فيه عن الضجيج الداخلي، والقلق وتوترات الحياة اليومية، وهنا تدخل الموسيقى، ليس فقط لكونها وسيلة ترفيه، بل بوصفها دواء ناعما يعزف على أوتار العقل، ويغمر القلب براحة نادرة.

والسؤال الذي يشغل العلماء والأطباء دائما هو: هل تستطيع الموسيقى فعلا أن تعالج العقل؟

طقوس قديمة

لطالما رافقت الموسيقى الطقوس الدينية، واحتفالات الشفاء، والمناسبات الكبرى منذ آلاف السنين. ومع تطور العلم، لم تعد الألحان مجرد “شعور جميل” بل أصبحت محل بحث وتطبيق سريري حقيقي.

وتؤكد الدراسات الحديثة، بما في ذلك أبحاث جامعة هارفارد، أن الموسيقى تُحدث تأثيرات ملموسة على الدماغ: تحسّن الذاكرة، تقلل التوتر، تخفف أعراض الاكتئاب، وتدعم حتى صحة القلب.

حين يبتسم الدماغ

عند الاستماع لأغنية مفضلة، يفرز الدماغ الدوبامين، وهي المادة الكيميائية المسؤولة عن الشعور بالمتعة. الأمر لا يقتصر على الأغاني المبهجة فقط، بل حتى الموسيقى الحزينة قد تكون مريحة، لأنها تسمح للمشاعر بالانسياب والتنفيس.

وتسهم الموسيقى أيضا في خفض مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر)، وتساعد على استرخاء العضلات وتخفيف نبضات القلب. ولا عجب أن البعض يلجأ إلى الموسيقى بعد يوم عمل مرهق بدلا من المهدئات.

موسيقى تنعش الذهن

عزف آلة موسيقية، الغناء مع الأصدقاء، أو حتى تأليف لحن بسيط.. كلها أدوات تساعد على التعبير عن الذات، خاصة لمن يجدون صعوبة في التعبير بالكلمات.

تقول دراسة سويدية حديثة إن المشاركين النشطين موسيقيا يمتلكون قدرة أكبر على التعامل مع مشاعرهم بمرونة.

وبينما تحفز الألحان مراكز الانتباه والإدراك في الدماغ، فإنها تخلق ما يشبه “التمرين الذهني”، مما يحسّن من الذاكرة والتركيز والوظائف المعرفية.

موسيقى التأمل

تجربة الاستماع إلى موسيقى هادئة وإغلاق العينين لدقائق معدودة يمكن أن تُحدث تحولا جذريا في الحالة النفسية.

تُستخدم هذه الأساليب في جلسات التأمل والاسترخاء بالعالم، وتُعرف بقدرتها على تعزيز الوعي اللحظي وتقليل التفكير السلبي.

الاسترخاء والاستماع إلى الموسيقى قد يكون مفيد في كثير من الأحيان
الاسترخاء والاستماع للموسيقى قد يكون مفيدا في كثير من الأحيان (غيتي)

الأغنية التي تجمعنا

الموسيقى ليست علاجا فرديا فقط، بل وسيلة اجتماعية تعزز الشعور بالانتماء.

من المهرجانات إلى الحفلات المنزلية، تجمع الألحان بين الغرباء، وتصنع ذكريات مشتركة. نموذج واضح لذلك هو مهرجان “ساوندستورم”، الذي يتحول فيه الصوت إلى لغة عالمية تربط بين الآلاف من خلفيات وثقافات مختلفة.

هل هناك جانب مظلم؟

رغم هذه الفوائد كلها، فإن الصورة لا تخلو من بعض التعقيد. كشفت دراسة حديثة أجراها معهد “ماكس بلانك” أن الأفراد النشطين موسيقيا قد يحملون استعدادا وراثيا أعلى للإصابة بالاكتئاب أو الاضطراب الثنائي القطب.

ولا يعني هذا أن الموسيقى هي السبب، بل إن العوامل الجينية نفسها التي تمنح الشخص شغفا بالموسيقى قد تكون مرتبطة بقابلية أكبر للتقلبات النفسية.

وتقول الدراسة “العلاقة معقدة، لكن من المؤكد أن للموسيقى أيضا تأثيرا علاجيا قويا”.

وفي النهاية، لا توجد وصفة واحدة للسعادة، لكننا نعلم أن بين الضغوط والصراعات اليومية، هناك دائما مساحة صغيرة يمكن أن تملأها الموسيقى بسلام، بصوت ناعم، وبوعد غير منطوق أن كل شيء سيكون بخير.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان