مصحات وهمية لعلاج الإدمان في مصر تفاقم كارثة المخدرات.. كيف تعاملت الدولة؟

حملات مكافحة الإدمان في مصر
حملات مكافحة الإدمان في مصر

من الإسكندرية شمالا حتى أسوان جنوبا، تواصل السلطات المصرية إغلاق عشرات المصحات غير المرخصة لعلاج الإدمان وسط حالة من القلق تزايدت بعد الكشف عن نشاط مخالف لتلك المراكز، وتكرار هروب النزلاء ممن كانوا يبحثون عن “علاج آمن بأسعار معقولة”.

وكشف المجلس القومي للصحة النفسية عن إغلاق 112 مصحة خاصة في 5 محافظات فقط، هي القاهرة والجيزة والإسكندرية والإسماعيلية والفيوم، خلال النصف الأول من العام الجاري، فضلا عن العشرات من “المراكز السرية” التي تنتشر في كل مكان، على حد وصف الاستشاري بالأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان بوزارة الصحة عمر السويسي في حديثه للجزيرة مباشر.

ووصف السويسي المصحات غير المرخصة بأنها قمة جبل الثلج الذي كُشف عنه، محذرا من أن الأمر يتطلب المزيد من الردع لمواجهة ما وصفه بـ”مافيا علاج الإدمان”.

وأشار السويسي إلى ما قال إنها “جهود توعية حكومية متسارعة”، لكنه اعترف بأنها “غير كافية على الإطلاق”.

ويبدو الاقتراب من إحدى تلك المصحات بقرية المنصورية بمحافظة الجيزة محاولة محفوفة بالأخطار. وبمجرد التحرك نحو بوابة المبنى ذي الأسوار العالية يظهر “السمسار” أو الوسيط الذي يتولى الاتفاق مع أهل المريض ومساومتهم. ولا ينفي الوسيط أمير (الذي اكتفى بذكر اسمه الأول للجزيرة مباشر) استغلال حالة المريض وبحثه عن علاج أقل تكلفة مع صعوبة ذلك بالمراكز الحكومية، على حد قوله.

ويوضح أمير، وهو نزيل قديم بالمركز الذي يرفع شعار “طريق الشفاء”، أن تكلفة الإقامة تبلغ 700 جنيه يوميا (نحو 15 دولارا) ويعرض قائمة مصحات أخرى يتدنى سعرها إلى 200 جنيه، لكن مستواها أقل.

وخلف تلك الأسوار العالية تتوالى التفاصيل لكنها تتفق في نتيجة واحدة، هي أن التعافي يبدو شبه مستحيل “مع إذلال المريض وإهانته”، كما يحكي أبو أكرم للجزيرة مباشر رحلته الطويلة لعلاج ابنه بعدد من المصحات في منطقة منشأة القناطر بشمال محافظة الجيزة.

ويشير أبو أكرم إلى أنه اكتشف “الكارثة” بعد اقتحام الأجهزة الأمنية لنحو 12 مصحة بقرية “أبو غالب” التي اشتهرت بهذا النشاط بالقرب من المنصورية بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة.

 

البداية من الإنترنت

وأوضح أبو أكرم أنه اكتشف “صورة مغايرة للواقع” بعدما وقع في فخ تلك المصحات، التي تعلن عن نفسها عبر مواقع الإنترنت المختلفة، مشيرا إلى أنه تجاهل كثيرا شكوى ابنه في الزيارات الأسبوعية من تعرُّضه للضرب والإهانة.

وأضاف “كنا ندفع 5 آلاف جنيه شهريا (نحو 100 دولار) للمصحة على أمل الشفاء من أثر مخدر الشابو”.

وأشاد أبو أكرم، مثل آخرين، بالإجراءات الحكومية لضبط المصحات الوهمية وإغلاقها، لكن التساؤل المشترك كان عن مصير المرضى الذين غادروا. وقال أبو أكرم مستدركا “مصيرهم الشارع”.

وبحسب بيانات صندوق مكافحة وعلاج الإدمان التابع لمجلس الوزراء، جرى تقديم الخدمة العلاجية خلال الشهور الثمانية الماضية لنحو 100 ألف شخص، ممن يتعاطون المخدرات التخليقية الأكثر شهرة وتداولا، وهي “الآيس والأستروكس والكريستال ماث والبودر والفودو”.

وقال الصندوق إن نسبة الذكور بين مدمني هذه المخدرات تبلغ 96%، بينما تبلغ نسبة الإناث 4%.

 

ووصف المتحدث باسم وزارة الصحة، حسام عبد الغفار، مراكز علاج الإدمان غير المرخصة بأنها “كابوس”، محذرا في تصريحات صحفية من أن هذه المراكز تستغل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتقدّم عروضا لجذب الأسر.

وتحدث عبد الغفار عن جهود حكومية مكثفة لمكافحة الظاهرة التي انتعشت بفعل تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، على حد قوله.

وقال إن “المشاهد النمطية لتعذيب المدمنين لا أساس لها من الصحة”، مطالبا بالتواصل مع الجهات الرسمية للحصول على استشارات وجلسات، مشددا على دور الدولة في تقديم الخدمة للمرضى.

المستشفيات الحكومية ترفع أسعارها

لكن بسمة نبيل، مؤسس المبادرة المصرية للصحة النفسية، أشارت إلى أن رفع الحكومة أسعار الإقامة بمستشفياتها يمثل “كارثة مجتمعية وليس فقط صحية”.

وأشارت في منشور على حسابها على فيسبوك إلى تطبيق لائحة مالية جديدة، أصدرها وزير الصحة لمستشفيات الصحة النفسية الحكومية، وهي 18 مستشفى، بجانب مراكز علاج الإدمان، وتضمنت رفع تكلفة إقامة المريض من 150 جنيها (نحو 3 دولارات) إلى 550 جنيها (11 دولارا) يوميا غير شاملة لمصاريف الخدمات الطبية.

ورأت الاختصاصية النفسية أن اللائحة تتعارض مع لائحة المستشفيات الحكومية اللي تنص على تخصيص 25% من أسرّة المستشفيات الحكومية للعلاج المجاني، بعد أن كانت تخصص 60%.

وتحدث استشاري الصحة النفسية وعلاج الإدمان أحمد علاء، للجزيرة مباشر، عن شيوع ما سماها “المعاملة القاسية للنزلاء والمرضى بالمصحات الخاصة”.

ووصف هذه الممارسات بأنها “سوء استغلال لحالة المرضى”، كما لفت إلى أن أغلب القائمين على تلك المصحات ليسوا من أهل المهنة، لكنهم “مجرد سماسرة وتجار”.

وذكر علاء أن بعض الحالات التي ترددت عليه بالمستشفى الحكومي الذي يعمل به كشفت عن اتباع البعض أسلوب الضرب لإجبار المدمن على التوقف عن التعاطي وحبسه مدة طويلة بلا علاج.

كما لفت إلى أن تلك المصحات تفتقر إلى أبسط مقومات المعيشة، مما يدفع بعض المرضى إلى الهروب منها.

وربط علاء بين انتشار مصحات العلاج الوهمي وغياب الكوادر الطبية المتخصصة، مما يؤدي إلى انتشار الممارسات الصحية العشوائية.

كارثة المخدرات التخليقية

بحسب تصريحات إعلامية لعمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، فقد ارتفعت نسبة مرضى الإدمان المتقدمين للعلاج بسبب المخدرات التخليقية من 8% عام 2020 إلى نحو 50% حاليا، لافتا إلى أن هذه المواد تتجاوز التعاطي الترفيهي، وتقود مباشرة إلى الإدمان، وتضاعف السلوك العدواني، وتسبب هلاوس سمعية وبصرية تدفع إلى ارتكاب جرائم “بدم بارد”.

وكشف عثمان أن نحو 5% من إجمالي 170 ألف مريض يترددون على المراكز سنويا هم من النساء، مشيرا إلى أن قانون عام 2012  الخاص بالكشف عن المخدرات بمؤسسات الدولة خفض نسبة التعاطي بين الموظفين من 8% إلى 0.5%، وقلص المعدل بين سائقي حافلات المدارس من 12% إلى 0.5%.

وذكر أن الموظف الذي يتقدم طوعا للعلاج يحصل عليه مجانا وبسرية، بينما يُفصل فورا إذا ضُبط أثناء العمل.

ويُعَد مخدر الشابو أحد أشهر المخدرات التخليقية المنتشرة في مصر، ويوصف بأنه العامل المشترك في العديد من جرائم القتل المروعة التي هزت الشارع المصري خلال الشهور الأخيرة.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان