جعلت “الطابون” وسيلة للمقاومة.. عجوز تعجن الذاكرة الفلسطينية وتخبزها في وجه الحرب والدمار (فيديو)

في ركن من أركان مدينة غزة التي اختلطت ترابها برائحة البارود، تجلس نصرة سالم (77 عامًا) أمام فرن طيني بدائي، تعجن الخبز بيدين أنهكهما الزمن والنزوح، وكأنها تعجن الذاكرة الفلسطينية وتخبزها في وجه الدمار والحرب.
لم تعد الخبز فقط غذاء لأحفادها، بل أصبح وسيلتها للمقاومة، وصوتًا صامتًا يحكي ما تبقّى من الحكاية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsقتلوا والدها وحرقوا قريتها.. الحاجة غالية تستعيد ذكريات النكبة والتهجير (فيديو)
جماعة “أنصار الله” تعلن قصف مطار “بن غوريون” بصاروخ فرط صوتي (فيديو)
سرايا القدس تقصف مستوطنات غلاف غزة برشقة صاروخية
وُلدت نصرة في حي الشجاعية شرق غزة، في بيت من طين وعلى أرض كانت مزروعة بالقمح والشعير والذرة. تتذكر تلك الأيام كما لو كانت بالأمس القريب وتقول “كنا نزرع القمح والشعير والذرة ونأكل من أرضنا، ولم نكن نحتاج لشيء من الخارج”.
صناعة الطابون
في عمر العاشرة، تعلمت صناعة خبز “الطابون” من والدتها. لم تكن حينها تدرك أن هذه الحرفة ستتحول يومًا ما إلى طوق نجاة في زمن الحرب، وأنها ستنقلها لأحفادها ليس فقط لأنها إرث، بل لأنهم قد يحتاجونها كما احتاجتها.
ومع اندلاع الحرب الأخيرة، اضطرت نصرة للنزوح من شمال غزة إلى جنوبها، ولم يكن النزوح هذه المرة رحلة انتقال، بل معبر إذلال وخوف. انتقلت عبر “الحلابة”، وهي حاويات حديدية ضخمة خصصها الاحتلال لنقل النازحين، وأصبحت رمزًا لمعاناة الفلسطينيين.
تحكي نصرة وملامح الخوف لا تزال ترتسم على وجهها “لم أستطع المشي داخل الحلابة ووقعت أرضًا، ولم أتمكن من الوقوف حتى ساعدني شاب على النهوض بينما كان الجنود الإسرائيليون يطلقون النار من حولنا”.
العودة إلى الماضي
لم يبق الاحتلال شيئًا من بيتها، لا جدران ولا أبواب. في ظل انقطاع الغاز والكهرباء، وجدت نصرة نفسها تعود إلى الماضي لتبني المستقبل من الطين. صنعت فرنًا بدائيًا أمام الخيمة التي لجأت إليها، وساعدت ابنتها في إعداده ليكون وسيلة لإطعام أحفادها.
إنها تقاوم، لا بالبندقية، بل بما بقي لديها: الطحين، والماء، واليدين.
في حديثها لا تواري الغضب ولا الألم، وتشير بوضوح إلى من تراه مسؤولًا عن هذا المصير “اليهود دمّروا أرضنا وبيوتنا. كنا سعداء، أما الآن فنحن لا نعيش، نحن فقط نحاول البقاء”.
لكن ما تؤكده نصرة، أن الخبز الذي تعده على فرن الطين، ليس فقط لتغذية أجساد أبنائها، بل للحفاظ على ما تبقى من الوطن في ذاكرتهم، ولو كان على هيئة رغيف ساخن من رماد الحرب.
وقبل أن تنهي حديثها، ترفع عينيها باتجاه العالم وتقول برسالة لا تحتمل التأويل “انظروا لنا بعين الرحمة”.