جنود إسرائيليون في غزة: نكتب وصايانا على هواتفنا ونناقش كيف ستكون جنائزنا

جنود إسرائيليون مصابون يشيعون آخرون قتلوا خلال الحرب على غزة
جنود إسرائيليون مصابون يشيعون جنائز آخرين قتلوا خلال الحرب على غزة (الفرنسية)

نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تقريرا يتضمن شهادات جنود في جيش الاحتلال الإسرائيلي يؤدون الخدمة الإلزامية خاضوا القتال في قطاع غزة، يكشف عن الانهيارات النفسية العميقة التي أصيبوا بها بسبب طبيعة المعارك الطويلة والمرهقة.

الجنود من أعمار صغيرة بين 18 و19 عاما، وقد أُرسلوا إلى الحرب بعد إنهائهم الثانوية مباشرة، ويعانون من أرق مستمر، ونوبات بكاء، وفقدان السيطرة على المشاعر، وكوابيس.

جحيم غزة

يصف التقرير هؤلاء الجنود بأنهم أُلقي بهم مباشرة إلى “جحيم غزة”، حيث وجدوا أنفسهم في معارك لا تنتهي. وتقول الصحيفة إن قصصهم “تكشف عن حالة نفسية متردية بشدة، مبنية على مزيج من اليأس، والغضب، والخوف المستمر”، وهي مشاعر “دخلت قلوبهم مع دوي أول انفجار”.

تروي والدة أحد الجنود كيف نفدت طاقة ابنها منذ تم الزج به إلى القتال بعد نيله الثانوية العامة. وتقول بصوت محطّم للصحيفة: “منذ 7 أكتوبر ونحن في حالة رعب. فكل صوت طرقة على الباب، كل مكالمة هاتفية تُشعل الخوف”، خشية من إعلامها بمقتله أو إصابته. وتضيف أم جندي آخر: “يجب عليهم أن يوقفوا هذا”.

تم التعرف على هويات 6 من القتلى فقط الذين قتلوا على يد القسام في كمين خان يونس
جنود إسرائيليون قتلوا بأيدي كتائب القسام في كمين بخان يونس

رعب الحرب

كما نقلت الصحيفة شهادة جندي يخدم في لواء كفير، قال إنه قضى خدمته بين “برد الليل وجحيم النهار إلى الكلاب الجائعة داخل المنازل”. ويتذكر لحظة انفجار زميله أمامه، حيث عاد إلى الفراش بلا نوم ولا شهية، “يكاد يتذوّق طعم الدم في كل شيء”.

ويضيف: “غمرتني دماء صديقي، وكان يناديني ويطلب المساعدة، لكنني تجمدت ولم أعرف ما أفعل”.

تقول هآرتس إن الجندي ظل يعاني من الصدمة إلى أن انفجر ذات مرة حين كان أحد الجنود يؤدي نوبة الحراسة، فصرخ فجأة مهددًا زميله بالسلاح، مما أدى إلى إعفائه من مهامه وإحالته إلى تحقيق عسكري. كانت الحادثة مؤشرًا على مدى الانهيار النفسي الذي بلغه.

رائحة الجثث

شهادة أخرى جاءت من جندي في وحدة المظليين، انهار نفسيًّا خلال إجازة قصيرة حين جلس مع عائلته في مطعم، وبمجرد أن وُضعت أمامه وجبة من المعكرونة والجمبري، غمره الغثيان وركض إلى الحمام ليتقيأ.

يقول: “لم أفهم لماذا يحدث هذا، ثم تذكرت: إنها رائحة الجثث”. فقبل أيام، رأى جثث أطفال تحت أنقاض منزل في خان يونس. تلك الرائحة التصقت به، وظلّت تلاحقه حتى أثناء محاولته اللهو مع أصدقائه.

خسائر مستمرة لجيش الاحتلال في قطاع غزة
خسائر مستمرة لجيش الاحتلال في قطاع غزة (رويترز)

نكتب وصايانا على هواتفنا

أما الجندي في لواء النخبة، جفعاتي، فيروي أن الموت أصبح رفيقه اليومي. فمنذ 7 أكتوبر، لم يتوقف عن حضور جنائز أصدقائه، وبعضهم مات بسبب ما يسميه “إهمال الضباط”. يقول: “أصبحنا نكتب وصايانا على هواتفنا، ونناقش في الليل كيف ستكون جنائزنا، ومَن سيأتي، وهل ستبكي حبيبتنا السابقة؟”.

ويصف جندي في لواء ناحال، كيف انهار ضابطه المسؤول نفسيًّا، وراح يصرخ عليهم بجنون بعد أن استيقظ ليجدهم نيامًا أثناء كمين ليلي، يقول: “الجميع مرهق، نحن لا ننام في النهار ونُكلّف بمهام ليلية، ثم يلوموننا إن أخفقنا. لو عرف الناس ما الذي نعيشه، لتوقّفوا عن التساؤل حول كيفية وقوع الحوادث”.

ويضيف: “صرخت على صديقتي لمجرد أنها نقلت قميصي من مكانه. بكيت بين ذراعيها. الحرب حطّمتني”.

الحرب مستمرة لأسباب سياسية

أما المجند في وحدة النخبة الهندسية “يهلوم”، وهي الوحدة المختصة بتفكيك الأنفاق والعبوات الناسفة، التي تكبّدت خسائر فادحة خلال القتال في قطاع غزة،  فقد وصل إلى نقطة الانهيار التام. يقول: “في البداية كنت متحمسا، مقتنعا بأننا نحدث تغييرا. لكن بعد كل جنازة، وكل أسير إسرائيلي يقتل، بات كل شيء بلا معنى. الحرب مستمرة لأسباب سياسية، والجميع يعرف أننا لا ننجز شيئا سوى تكرار الدخول للمناطق نفسها والتعرض لنفس الأخطار”.

وتشير هآرتس إلى أن “الجيش يبني جدارا من الصمت حول معاناة الجنود النظاميين، وأن أصواتهم لا تسمع بنفس القدر كما يحدث مع جنود الاحتياط”.

الشهادات المذكورة في تقرير هآرتس مماثلة لتلك المنشورة في دراسات أخرى تعكس عمق الصدمة التي يعيشها جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي الذين يقاتلون في قطاع غزة.

نقل جندي إسرائيلي مصاب في إحدى المعارك بقطاع غزة (الأناضول)

ارتفاع حالات الانهيار النفسي

كانت دراسة قد نُشرت في هآرتس في مايو/أيار الماضي، أظهرت أن نحو 12% من جنود الاحتياط الذين شاركوا في القتال بغزّة يُعانون من أعراض شديدة مرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، مما يجعلهم “غير لائقين نفسيا للعودة إلى الخدمة”.

كما أوردت هآرتس في يناير/كانون الثاني الماضي أن جنودا اتهموا القيادة بتجاهل مطالبهم بتلقي الدعم النفسي أثناء القتال، واستثنوا فقط بعض وحدات الاحتياط أثناء تقديم العلاج لهم.

تعكس شهادات الجنود معاناة عميقة لأفراد جيش الاحتلال الإسرائيلي ترتبط بتكرار التعرض للخطر خلال جولات العودة للقتال في غزة، وطبيعة المهمة التي يشعرون بأنها بلا هدف واضح.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية

إعلان