تقرير: الهجرة والإسلام لازمتان قديمتان تعودان عند كل حملة انتخابية في فرنسا

تأتي تصريحات المرشح للرئاسة الفرنسية إريك زمور الشديدة اللهجة ضد “الاستبدال الكبير” و”المهاجرين المجرمين” -المثيرة لمواقف رافضة- في سياق جدل حول الهجرة والإسلام راسخ في فرنسا أكثر من الدول الأوربية الأخرى، ويطبع بشدة حملة الانتخابات الرئاسية فيها.
Eric Zemmour : « L'islam est incompatible avec la France… J'interdirai le voile islamique dans la rue… Et oui, ce sera pareil pour la kippa. La laïcité, c'est la discrétion dans l'espace public…» LCI pic.twitter.com/7jsaaJg1PF
— Reconquête ! Paris XV (@Reconquete75015) January 21, 2022
ويندرج النقاش حول هذين الموضوعين ضمن تاريخ فرنسا الاستعماري الإشكالي، الذي نتج عنه اندماج فوضوي للمجموعات الكبرى المنحدرة من أصول أجنبية، كما أنه نابع من مفهوم صارم للعلمانيّة، وفق ما أوضح خبراء لوكالة فرانس برس.
وقال الخبير السياسي باسكال بيرينو إن “عنصر الهجرة حاضر بصورة خاصة في فرنسا، لأنه يحرك الذكرى الصعبة لحرب الجزائر”، وما واكبها من قتلى وأعمال تعذيب وعودة جماعية إلى الوطن، ما “ترك آثارا عميقة في اللاوعي الجماعي”.
وعلى سبيل المقارنة، لفت الخبير إلى أن “ألمانيا لم تقاتل تركيا وبلجيكا ولم تقاتل المغرب”، في إشارة إلى المجموعتين الكبيرتين المنحدرتين من أصل تركي ومغربي في هذين البلدين على التوالي.
التصعيد الفرنسي مستمر.. مارين لوبان تبدأ ترشحها لرئاسة #فرنسا بحملة على #الإسلام
لتخطي الحجب https://t.co/H6h2O2zHm4
للمزيد https://t.co/h6LOYMEhaM— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) January 26, 2021
وأوضح إيمانويل كونت الباحث في مركز الشؤون الدولية في برشلونة أن فرنسا واجهت أيضا “ضغطا ناجما عن الهجرة أكبر” مما واجهته القوى الاستعمارية الأخرى، وعانت من قصور في استقبال المهاجرين ولا سيما على صعيد الوظائف. وإن كان المهاجرون قد استفادوا من “سوق مرنة” في بريطانيا واعتُبروا “عمّالا مدعوّين” في ألمانيا، فإن فرنسا من جانبها حدّت من وصولهم إلى الوظائف الثابتة” اعتبارا من السبعينيات والثمانينيات” معطية الأفضلية لمواطنيها، على ما ذكر الخبراء.
“مصدر إزعاج”
وأشار كونت إلى أن الضواحي التي شيدت في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية فرغت من الطبقات الوسطى، ولم يبق فيها سوى الأكثر فقرا، ومعظمهم من المهاجرين أو أبنائهم، في هذه الأحياء التي خلت تدريجيا من المتاجر والخدمات العامة.
ومع حرمانهم من فرص مهنيّة، غرق البعض في الجريمة، فتحوّل المهاجرون عندها إلى مجرد “مصدر إزعاج” برأي قسم من المواطنين، وهي صورة نمطية غذتها “الحملة السياسية” التي نُظمت ضدّهم.
وزير داخلية #فرنسا: نعتزم إغلاق 7 #مساجد وجمعيات بحلول نهاية 2021
لتخطي الحجب https://t.co/hsV9K4dNSl
للمزيدhttps://t.co/EvkfBtjmCW— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) October 27, 2021
ولفت الخبير السياسي جان غاريغ إلى أن فرنسا لديها “تقليد يميني متطرف يعود إلى أواخر القرن 19، لدينا اليوم ورثته”.
ففي 1972، قام جان ماري لوبن، وهو من قدامى حرب الهند الصينية والجزائر، بتأسيس الجبهة الوطنية. وإن كانت ابنته مارين التي وصلت إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2017 قبل أن يهزمها إيمانويل ماكرون، لطّفت خطابها، فإن المرشح إريك زمور يعتمد خطّا أكثر تطرفا إلى اليمين، مضاعفا التصريحات البالغة الشدة تجاه الهجرة والإسلام.
وبموازاة ذلك، بات مسار اندماج الأجانب “أطول وأصعب تحت ضغط الإسلام المتطرف”، بحسب ديدييه ليسكي رئيس الهيئة المكلفة تنظيم الاستقبال والاندماج في فرنسا.
ويثير هذا الضغط صداما مع العلمانية التي أرساها قانون 1905 حول فصل الدين والدولة الذي حصر العقيدة ضمن الدائرة الخاصة.
صوّت أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي باعتماد تعديل قانون “دمقرطة” #الرياضة في #فرنسا
بموجب القانون يُمنع ارتداء الحجاب أو أي رموز دينية بارزة خلال المنافسات الرياضية التي تنظمها فرنسا
ويأتي التصويت بعد المصادقة على قانون يمنع الأمهات المحجبات من مرافقة أبنائهن خلال الرحلات المدرسية pic.twitter.com/lJj568GTK7
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) January 20, 2022
وقال بويان تميمي عرب الباحث في الدراسات الدينية في جامعة أوتريشت إن “فرنسا هي الشرير العلماني” معتبرا أن مفهوم هذا البلد للعلمانية بالغ التشدد.
ولفت ستيفن فيلدينغ أستاذ التاريخ السياسي في جامعة نوتينغهام إلى أن الإسلام لم يُذكر إطلاقا في المملكة المتحدة رغم أن رفض الهجرة كان موضوعا محوريا في حملة بريكست عام 2016، موضحا أن الهوية الوطنية في بريطانيا هي مفهوم أكثر “مرونة” و”أقل تشددا” منه في فرنسا.
“ليس مطروحا” في ألمانيا
في النموذج البريطاني المصمم على شكل تعايش لمختلف المجموعات الواحدة بجانب الأخرى، تكون الديانات حاضرة في المساحة العامة، خلافا لفرنسا حيث يتعيّن على الأجنبي أن يندمج في النموذج الوطني ويتماثل معه.
وقال فيلدينغ “ثمة مسلمون في مناصب عليا في الحزب المحافظ، وصولا إلى حكومة بوريس جونسون، من غير أن يثير ذلك أي رد فعل”.
وفي ألمانيا تم استقبال مليون مهاجر عام 2015، وسط موجة تضامن وطني، ما تسبب بصعود قوي لحزب البديل من أجل ألمانيا (اليمين المتطرف) في بلد حيث كانت المحرمات المرتبطة بالماضي النازي تمنع حتى ذلك الحين ظهور حزب متطرف قوي، لكن في انتخابات 2021، ركز هذا الحزب حملته على وباء كوفيد-19.
"العدل الأوروبية" تجيز حظر الحجاب في أماكن العمل.. حق مشروع أم #إسلاموفوبيا؟
شاركونا مع #أيمن_عزام في #بعد_منتصف_الليل
https://t.co/wqsMz3uCE7— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) July 16, 2021
وأوضحت دانييلا شفارتزر مديرة منظمة “أوبن سوسايتي” غير الحكومية، أن “مسألة الهوية لم تكن الموضوع المطروح في ألمانيا”، حيث وطأة “الصدمة” الناجمة عن اعتداءات جهادية أقل بكثير منها في فرنسا.
في المقابل، وفي النمسا، أدت المخاوف المرتبطة بالهوية الوطنية إلى انتخاب مستشار من اليمين المتطرف عام 1999، كما انضمت أحزاب بنت خطابها على هذه الموجة إلى ائتلافات حكومية في النروج والدنمارك.
وفي إيطاليا، كان ماتيو سالفيني، زعيم اليمين المتطرف، لا يزال حتى وقت قصير نائبا لرئيس الحكومة، ما “يكشف عن أهمية مسألة الهجرة” في هذا البلد برأي أنطونيو سينييرو خبير علم الاجتماع المتعلق بالهجرة في جامعة سالنتو، في وقت باتت إيطاليا التي كانت في ما مضى بلد هجرة، إحدى البوابات الرئيسية لدخول المهاجرين غير القانونيين إلى أوربا.