صلاح الدين الأيوبي.. القائد الذي وحّد المسلمين واستعاد القدس

صورة بالذكاء الاصطناعي تظهر حروب صلاح الدين الأيوبي مع الصليبيين (فريبك)

في واحدة من أبرز محطات التاريخ الإسلامي، برز صلاح الدين الأيوبي الذي قاد نهضة سياسية وعسكرية ودينية استمرت زهاء عقدين، تمكن خلالها من توحيد الأمة الإسلامية وتوجيهها نحو هدف استراتيجي واحد: دحر الاحتلال الصليبي واستعادة القدس.

النشأة والمولد

ولد صلاح الدين الأيوبي عام 532هـ (1137م) في قلعة تكريت على نهر دجلة، وكان اسمه يوسف بن أيوب بن شادي، وينحدر من عشيرة كردية رفيعة النسب تُعرف بالروادية، التي ترجع أصولها إلى دوين في أذربيجان، وكان والده، نجم الدين أيوب، واليا على القلعة، فيما كان عمه، أسد الدين شيركوه، من أمراء السلاجقة.

رافقت ولادة صلاح الدين ظروف عصيبة لعائلته، إذ اضطروا لمغادرة تكريت بعد حادثة قتل عمه لأحد قادة القلعة دفاعا عن شرف امرأة. لجأت العائلة إلى الموصل، وهناك احتضنهم عماد الدين زنكي، أمير الموصل، الذي سبق أن أنقذه نجم الدين من الأسر في تكريت.

توطدت العلاقة بين العائلتين، فصار والد صلاح الدين وعمه من أبرز قادة زنكي، وتلقّى صلاح الدين تعليمه في دمشق وشارك في الفروسية والصيد وتعلم علوم الدين.

التكوين الديني والسياسي

تلقى صلاح الدين تعليمه على يد علماء الشام والجزيرة، وتعلّم الفقه وعلوم الحديث، وحفظ القرآن الكريم. تأثر بشخصيات قيادية مثل نور الدين زنكي، الذي أورثه حب الجهاد والدفاع عن الإسلام.

كما حرص على تعليم أبنائه مبادئ العقيدة السنية، وامتاز بتقوى بالغة، إذ ذكر قاضيه ابن شداد أنه لم يترك صلاة جماعة طوال حياته، ولم تكن الزكاة تجب عليه لأنه لم يكن يدخر مالا.

بداية الصعود السياسي والعسكري

برز نجم صلاح الدين خلال الحملات العسكرية التي خاضها عمه شيركوه على مصر بإيعاز من نور الدين زنكي لمواجهة النفوذ الصليبي.

وبعد وفاة شيركوه عام 564هـ، تولى صلاح الدين وزارة الدولة الفاطمية، وبدأ عملية تحويل السلطة تدريجيا معلنا نهاية الحكم الفاطمي سنة 567هـ.

عقب وفاة نور الدين زنكي عام 569هـ، استقل صلاح الدين بالحكم في مصر، ثم اتجه لتوسيع نفوذه إلى الشام. دخل دمشق سنة 570هـ، ثم ضم حمص وحماة وبعلبك وحلب، ليعلن لاحقا نفسه سلطانا على مصر والشام، معيدا إحياء الخلافة العباسية في المشرق العربي تحت راية سنية موحدة.

الحروب الصليبية

التهيئة للجهاد واستعادة القدس

عكف صلاح الدين على توحيد الصف الإسلامي استعدادا لمجابهة الصليبيين، وبعد هدنة قصيرة، نقضها أرناط حاكم الكرك حين اعتدى على قافلة تجارية مسلمة وأسر رجالها، أعلن صلاح الدين النفير العام، متعهدا بقتل أرناط، وهو ما تحقق لاحقا في معركة حطين.

في 25 ربيع الآخر 583هـ (4 يوليو/تموز 1187م)، التقى جيش صلاح الدين البالغ 25 ألف مقاتل بالجيش الصليبي المكوّن من 63 ألفا في موقعة حطين، حيث تمكن من تطويق العدو وقطع خطوط الإمداد عنه، واستغل العطش والجوع ليقضي عليهم، فقتل 30 ألفا وأسر مثلهم، بمن فيهم كبار ملوكهم.

فتح القدس ومواصلة الفتوحات

في أعقاب حطين، استعاد صلاح الدين عددا كبيرا من المدن المحتلة مثل عكا، نابلس، عسقلان، صيدا، بيروت، جبيل، الرملة، يافا، طبريا والناصرة.

ثم حاصر القدس في رجب 583هـ، واستمر الحصار 12 يوما، انتهى باستسلام المدينة في 27 رجب (2 أكتوبر/تشرين الأول 1187م)، لتعود إلى المسلمين بعد 90 عاما من الاحتلال.

محاولات الاغتيال والمؤامرات

واجه صلاح الدين محاولات اغتيال عدة، أبرزها مؤامرة قادها الشاعر عمارة اليمني وعدد من القادة الفاطميين السابقين بالتنسيق مع الصليبيين والحشاشين الإسماعيليين.

ولكن يقظة صلاح الدين ومساعدة بعض علماء الأزهر أحبطت المؤامرة، وأُعدم المتآمرون، كما تصدى لاحقا لثورات في أسوان وهجمات بحرية على الإسكندرية.

الجامع الأقصى (المصلى القبلي)
الجامع الأقصى “المصلى القبلي” (إدارة أوقاف القدس)

الجهود في الداخل وإصلاح الدولة

أعاد صلاح الدين تنظيم الدولة في مصر، ونقل الولاء للخلافة العباسية، وأدخل إصلاحات في القضاء والإدارة، وعيّن القضاة والعلماء السنة، وقضى على آثار الحكم الفاطمي الشيعي.

وشملت سلطته مصر والشام وسواحل طرابلس وتونس وبلاد النوبة والسودان والحجاز واليمن.

الوفاة

توفي صلاح الدين في قلعة دمشق يوم 27 صفر 589هـ (مارس/آذار 1193م) عن عمر يناهز 56 عاما. لم يترك مالا ولا أملاكا، سوى دينار واحد و47 درهما، واضطر ورثته لاقتراض ثمن بناء قبره.

المصدر : الجزيرة مباشر + مواقع إلكترونية

إعلان