السيد البدوي.. ولي صالح أم باطني مبتدع؟!

وزير الأوقاف المصري أسامة الأزهري والمفتي السابق علي جمعة في الاحتفال بمولد السيد أحمد البدوي (وزارة الأوقاف -فيس بوك)

 

ظل اسم السيد البدوي مطروحا لأيام عدة على وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام المختلفة، وسبب الطرح: العدد الهائل الذي حضر مولده، قدر بمليوني شخص، وبغض النظر عن الأعداد، فإن شخصية السيد البدوي موضع جدل منذ قرون، ولكنه تردد بشكل أكبر، وبدأ البحث عن شخصيته يزداد، كلما جاء موعد مولده، وكان الحضور كثيفا، فكثرة الحضور تفتح شهية الباحث والمتسائل في آن واحد، للبحث عنه: هل هو شخصية صالحة؟ ومن أصحاب الولاية؟ كما يردد المحتفلون به، والمنافحون عنه من المشايخ، الذين ينتسبون للصوفية، أم أنه شخصية خرافية لا وجود لها؟ أم أنه شخصية لها تاريخ؟ لكنه تاريخ لا يرقى به إلى هذه الشهرة، وهذا التقدير.

شخصية مثيرة للجدل:

لقد كانت شخصية السيد البدوي مثيرة للجدل في جل العصور، وزاد الحديث عنها في القرن العشرين، ومحاولة ادعاء المنتسبين إليه نفي أي كلام متعلق بتاريخه أو ولايته، واتهام من يناقش الأمر نقاشا علميا، بأنه كاره للأولياء، وأن عقيدته فاسدة، كما صرّح بذلك الشيخ علي جمعة، وهو معبّر بذلك عن موقف هذه الشريحة من غلاة التصوف، فهو كلام عار تماما عن الصحة دينيا وعلميا.

فإن العلماء منذ قرون طويلة، يختلفون في حكم الاحتفال بمولد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو خير الخلق، والذي لا يختلف أحد على مقامه ومكانته، والإيمان به، ومع ذلك رأينا هذا الخلاف، والذي يدور بين الحكم بالبدعية والتحريم الشديد، وبين من يجيز الاحتفال بمولده وفق ضوابط الشرع، وكلا الرأيين ينبع عن حب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتباعه، والاقتداء به، وتعبير كل صاحب رأي سواء من حرم أو من أجاز، هو يعبّر برأيه عن هذا الحب، ولا يجرؤ صاحب علم حقيقي أن يتهم الآخر بأنه كاره لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو صاحب عقيدة فاسدة، ومن يبادر باتهام صاحب الرأي الآخر بذلك، فهو الأحق بالوصف.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

وسوف تعيش أمتنا لسنوات – للأسف – في هذا التراشق الفكري، وذلك لأننا عشنا مرحلة صحوة سلفية، وبخاصة حين طفا على سطح الحياة الفكرية والثقافية خطاب غلاتها، وكانوا يتعاملون مع خصومهم بحدة في الموقف، وقد خفت صوتها ووجودها حاليا، وخلفها في ذلك التصوف ودعاته، فقام غلاة التصوف، بما قام به من قبل غلاة السلفية، إلا أن يلوذ الناس بأصحاب الاعتدال والوسطية من كل الأطراف، ووضع الأمور في نصابها العلمي والديني الصحيح.

بالعودة للحديث عن السيد البدوي، والتساؤلات التي طرحناها حوله، فإن الحديث عنه يتعلق بمساحتين مهمتين: المساحة الأولى، هي المساحة التاريخية، أي: تاريخ الرجل، وما له وما عليه، ومدى صدق المعلومات التي وردت عنه تاريخيا، وكيف كان؟ والمساحة الثانية: هي المساحة الدينية، المتعلقة بولايته، وفي ظل ما يرد عن الرجل من تاريخه من كتب محبيه لا مبغضيه، فهل ما ورد عنه يعبّر عن ولي من أولياء الله الصالحين، الذين لهم في ميزان الشرع وثوابته مكانة؟ أم يتنافى ما يذكر مع هذه الثوابت؟

شيعي يسعى لعودة الخلافة الفاطمية:

أما المساحة الأولى، والمتعلقة بتاريخ الرجل، فإن الرجل لم يتكلم عنه أهل زمانه، ولم يترجم له أحد منهم، فلا نجد له ترجمة لدى الإمام الذهبي، في سير أعلام النبلاء مثلا، ولا الحافظ ابن كثير، ولا غيرهما، وأول من تحدثوا عنه بعد مئتي عام من وفاته، وهذا يجعل الحديث عنه يشوبه الكثير من الأغاليط، والخلط، والدس سواء عليه أم له، وهو ما تعلق بشخصيات كثيرة تاريخيا، كانت مثار جدل، وبخاصة في مجال التصوف، وبالأخص التصوف الفلسفي، الذي حوى أفكارا اختلف فيها حول أصحابها، هل كانوا زنادقة أم كانوا صالحين، أم كانوا أصحاب خرافة؟

في هذه المساحة ذهب فريق من الباحثين إلى أن السيد البدوي تاريخيا، ما يصح عنه، أنه كان شيعيا يسعى لاستعادة مجد الخلافة الفاطمية، وأنه فشل في ذلك، حين استتب الأمر للظاهر بيبرس، فلم يجد بدا من أن يؤخر خطوته تلك، ويبقى في خطوته التي لا يصطدم بها مع السلطة، وهو التصوف.

ومن يذهبون لهذا الرأي، يربطون بين سلوكه من الانقطاع عن الناس تماما، وعدم وضوح معالم حياته الدينية بشكل واضح، ويربطون كذلك بأمرين مهمين لم تخل منهما كثير من الدراسات عن التصوف وتاريخه، وهي: علاقة التصوف بالتشيع، وعلاقة التصوف بالرهبنة المسيحية.

وأن توجه السيد البدوي الشيعي عن طريق التصوف، لأن هذا المسلك، لوحظ تاريخيا على شخصيات عدة، اتخذت التصوف سبيلا لنشر التشيع، وكتب في ذلك مستشرقون ومسلمون عرب وغير عرب، وليس معنى ذلك نسبة التصوف للتشيع دائما، بل توظيف التشيع للتصوف، في البلاد السنية، واتخاذه ذريعة وسبيلا إليه، وهو أمر لوحظ على مراحل تاريخية مختلفة.

والذين رجحوا هذا الأمر لدى السيد البدوي ليسوا أشخاصا متهمين، فقد رأيت فتوى على موقع دار الإفتاء المصرية، ترد عن هذه التهمة، بكلام لا يستقيم علميا، فادعت أن من قال ذلك فقط هو الدكتور أحمد صبحي منصور، وقد فصل من جامعة الأزهر، وحصر الرد في علاقة أستاذ جامعي بفصله من عمله، ولتوجهه الفكري الأخير، فقد صار متزعما من أطلقوا على أنفسهم: القرآنيون، أي: الذين يستقلون بالقرآن مصدرا عن الإسلام، وطرح ما سواه، سواء كان السنة النبوية أم تراث السلف.

رغم أن كتاب أحمد صبحي منصور، كتبه وهو أستاذ بجامعة الأزهر، وقد كان أطروحة علمية في الأصل، وكان وقت كتابة الكتاب سلفيا ينتسب لأنصار السنة المحمدية، ثم لجماعة دعوة الحق مع الدكتور السيد رزق الطويل -رحمه الله-، ثم تحول تحوله الأخير، والرجل في كتابه لم يعتمد سوى على مراجع ومصادر، فهل رجع أحد لمصدر وجده كاذبا فيه؟ أو أتى بشيء تاريخي ليس له مصدر؟ لقد أتى بالمصادر والمراجع التي يعتمدها المتصوفة أنفسهم عن السيد البدوي.

وقد سبق أحمد صبحي منصور لهذا الرأي عالمان كبيران من علماء الأزهر، لا يمكن لأحد أن يشكك في دينهما أو فكرهما، أما الأول فهو الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر، والآخر هو الشيخ أحمد شاكر، وكلاهما من علماء الأزهر الكبار، وكلاهما انتهى للنتيجة نفسها،  أن السيد البدوي كان يبتغي بوجوده في مصر إعادة الخلافة الفاطمية، وشككا في ولاية الرجل وصلاحه، بل جزما بنفي ذلك.

هل تنطبق شروط الولاية على البدوي؟

أما المساحة الدينية المتعلقة بولاية السيد البدوي، فإن الكتب التي ترجمت له من كتب الصوفية المعتمدة، مثل: طبقات الشعراني وغيره، فما ذكر فيها يعد من أكبر الإساءة التي يمكن أن يكتبها أحد عن أحد، ولولا أن الشعراني صوفي معروف، لقلنا: إن الذي كتب هذه الترجمة خصومه وأعداؤه، فما ذكر من قصص وأحداث مع الشعراني نفسه، ومع آخرين، لا يمكن أن تصف الرجل بالولي، ولا يمكن أن يوصف إلا بأنه مبتدع كبير، وضال ضلالا مبينا.

ولم ينفرد الشعراني -رحمه الله- بذلك، بل يكاد يكون جل هذا القصص موجودا في كل الكتب التي تحدثت عنه، وهو ما وقف منه موقف المستنكر، الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور، في مقدمة كتابه: السيد أحمد البدوي.. شيخ وطريقة، وهو مؤرخ مصري كبير، ولكنه نقد هذه الكتب فيما ذكرته عن كرامات البدوي، وعن حياته، فكيف يكون وليا من ترك صلاة الجماعة والجمعة لسنين طويلة، وهو قابع على سطح بيت، ينظر للسماء حتى احمرت عيناه، ثم يبرر ذلك بعض غلاة التصوف بقوله: إنه في حالة قبض، أي: قبض عن العبادة، وقد رفع الله عنه التكليف!! فكيف إذن من يرفع عنه التكليف يكون وليا متبوعا؟! وتفاصيل أخرى ذكرت لا يمكن أن توضع إلا في باب المعاصي والخرافات التي تسيء للإسلام وأهله، ولا يمكن بحال من الأحوال أن توضع تحت أي باب معتمد فيه.

علينا عند تناول شخصية البدوي في مسألة الولاية والصلاح والتقوى، أن نفرق بين الموقف من الأولياء وشروطهم، بغض النظر عن الشخص، وبين أن نطبق هذه الشروط عليه، وهو ما يتناساه المتعصبون للبدوي أو ضده، وما يشيعه غلاة المتصوفة من نسبة الولاية لشخصيات ثبت عنها أمور مخالفة لثوابت الشرع، ومخالفة لثوابت التصوف لدى مؤسسيه الأثبات، بل لو رجعنا مثلا لكتب الشعراني التي عن التصوف الأخرى، والتي تنقد سلوك المتأخرين منهم، سنجده يحكم بما حكاه نفسه عن البدوي، بأن ذلك مخالف للشرع، ومخالف للتصوف.

فالمطلوب من أهل التصوف، أن يقوموا بتنقية تراثهم المتعلق بتراجم هذه الشخصيات، دون تعصب، ومراجعة ما يصح وما لا يصح منه، فحتى لا يتهمون مخالفيهم بأنهم كارهون للتصوف، عليهم أولا أن يقدموا للناس تاريخا صحيحا وفق معايير التاريخ الدقيق للتصوف، ثم عرض هذه الأفكار المنسوبة لأقطاب التصوف على مر التاريخ على ميزان الشرع، دون مجاملة، ودون تأويل، فالمقدس هنا هو الإسلام، وما عداه، فيعرض على ميزانه وضوابطه وثوابته، ولا عصمة لأحد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان