إسبانيا بين غزة وترامب.. كيف تحصّنها أوروبا من العقاب الأمريكي؟

تميَّز موقف إسبانيا تجاه القضية الفلسطينية خلال حرب الإبادة على غزة باتخاذ العديد من المواقف، منها الانضمام إلى الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، والتي تتهم إسرائيل فيها بارتكاب إبادة في غزة، وقرارها بحظر شراء أو بيع أسلحة لإسرائيل، ومشاركة 49 ناشطًا إسبانيًّا في سفن “أسطول الصمود” الذي سعى لإيصال مساعدات إلى القطاع.
وشهدت إسبانيا مظاهرات عقب اعتقال إسرائيل للناشطين الإسبان، وهوجمت محال العلامات التجارية الداعمة لإسرائيل. ولم تمنع قمة شرم الشيخ الخاصة بوقف الحرب في غزة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الذي شارك في القمة، من أن يشدد على ضرورة ألا يكون اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل مبررًا للإفلات من العقاب، مؤكدًا أن الفاعلين الرئيسيين في الإبادة الجماعية بغزة يجب أن يواجهوا المساءلة القضائية، كما أكد استمرار حظر بيع أو شراء الأسلحة من إسرائيل حتى تتعزز العملية السياسية وتتجه بشكل نهائي نحو السلام.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4كردي فقط أم سوري فقط؟
- list 2 of 4بعد تدخل الرئيس.. انتخابات مصر لا نريدها فرصة ضائعة
- list 3 of 4الفاشر.. حين تتقاطع الجغرافيا بالنبوءة والتاريخ
- list 4 of 4أوروبا على صفيح ساخن.. فضيحة فساد أوكرانيا تهز برلين وتربك زيلينسكي
كما لم تمنع قمة شرم الشيخ الإضراب العام الذي دعت إليه أبرز النقابات العمالية والطلابية احتجاجًا على الإبادة الجماعية في غزة، والذي شارك فيه كثيرون في أكثر من 200 مظاهرة عمّت أنحاء البلاد، رافعين الأعلام الفلسطينية ولافتات تطالب بإنهاء التعاون العسكري والدبلوماسي مع إسرائيل.
وقد دفع موقف إسبانيا الرئيس الأمريكي ترامب إلى التصريح بأنه قد يعاقب إسبانيا تجاريًّا من خلال الرسوم الجمركية، بسبب رفضها زيادة إنفاقها الدفاعي إلى نسبة 5% من الناتج المحلي، وهو ما ترى إسبانيا أنه سيكون على حساب تقليص الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم، إذ بلغت نسبة إنفاقها الدفاعي في العام الماضي 1.28% من الناتج. ولا يخفى على أحد العوامل السياسية في تهديد ترامب، خاصة أن أمريكا تحقق فائضًا تجاريًّا في تجارتها مع إسبانيا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إذ بلغ 2.6 مليار دولار في العام الماضي. وها هو ترامب يقوم أخيرًا بزيادة واردات أمريكا من اللحوم الأرجنتينية لدعم رئيسها في الانتخابات هناك.
أمريكا السادسة في تجارة إسبانيا
نرى أن التهديد الأمريكي، لو تحقق، لن يكون تأثيره كبيرًا على التجارة السلعية الإسبانية، إذ جاءت الولايات المتحدة في العام الماضي في المركز السادس في تجارة إسبانيا مع العالم. وتستحوذ دول الاتحاد الأوروبي على معظم تلك التجارة، في ظل ارتفاع نسبة التجارة البينية بين دول الاتحاد الذي يضم 27 دولة من بينها إسبانيا، حيث استحوذت دول الاتحاد الأوروبي -فرنسا وألمانيا وإيطاليا- على المراكز الثلاثة الأولى لشركاء التجارة في العام الماضي.
كما تضمنت قائمة العشر الأوائل لشركاء التجارة أيضًا كلًّا من البرتغال في المركز الخامس وبلجيكا في المركز التاسع، وبباقي المراكز الأولى كانت الصين الرابعة، وإنجلترا السابعة، والمغرب العاشرة. وتضمنت قائمة العشر الثانية لشركاء التجارة كلًّا من بولندا والتشيك وأيرلندا والسويد من الاتحاد الأوروبي، إلى جانب تركيا والمكسيك والبرازيل وسويسرا والهند واليابان.
كذلك لن يؤثر التوتر السياسي بين إسبانيا وإسرائيل في التجارة الخارجية الإسبانية كثيرًا، ففي العام الماضي -حسب البيانات الإسبانية- جاءت صادراتها إلى إسرائيل في المركز الخامس والثلاثين لصادراتها إلى دول العالم بقيمة 1.79 مليار دولار، وجاءت وارداتها من إسرائيل في المركز السابع والخمسين لوارداتها من العالم بقيمة 940 مليون دولار، لتصل تجارتها معها إلى 2.73 مليار دولار من إجمالي تجارتها مع العالم البالغة 896 مليار دولار، حسب بيانات منظمة التجارة الدولية.
ورغم اختلاف قيمة التجارة بين إسبانيا وإسرائيل حسب البيانات الإسرائيلية، فإنهما اتفقتا على وجود فائض تجاري لإسبانيا مع إسرائيل، ببلوغ الصادرات الإسرائيلية إلى إسبانيا 958 مليون دولار، والواردات منها 2.146 مليار دولار حسب البيانات الإسرائيلية، بفائض تجاري لصالح إسبانيا بقيمة 1.188 مليار دولار، وهو الفائض الذي استمر خلال السنوات العشر الأخيرة بلا انقطاع.
أما عن تأثير الحرب على غزة في التجارة بين إسبانيا وإسرائيل -حسب البيانات الإسرائيلية- فقد انخفضت قيمة التجارة من 3.3 مليارات دولار عام 2022 قبل الحرب إلى 2.9 مليار دولار عام 2023، ورغم ارتفاعها إلى 3.1 مليارات دولار في العام الماضي فإنها ما زالت أقل مما كانت عليه عام 2022 وكذلك عام 2021.
الطاقة المتجددة لتقليل أزمة الطاقة
وربما يقول البعض إن إسبانيا تستفيد من فائضها التجاري مع إسرائيل لتقليل العجز التجاري المزمن لديها، البالغ في العام الماضي 48 مليار دولار، وهو العجز التجاري السلعي المستمر بلا انقطاع منذ عام 1990 حتى العام الماضي. لكن هذا العجز المزمن يرتبط بشكل أساسي بنقص موارد الطاقة في إسبانيا، إذ تكتفي ذاتيًّا بالنفط الخام بنسبة 3.5%، وبالغاز الطبيعي بنسبة واحد بالألف، وبالفحم بنسبة 17%، مع تدني كمية الاحتياطي بها سواء من النفط أو الغاز الطبيعي.
تبلغ كميات احتياطي النفط 150 مليون برميل، بينما بلغت كميات استهلاكها في العام الماضي 1.325 مليون برميل يوميًّا، كما بلغت كميات احتياطاتها من الغاز الطبيعي 2.5 مليار متر مكعب، في حين بلغ استهلاكها السنوي من الغاز الطبيعي في العام الماضي 27.7 مليار متر مكعب. ولهذا توسعت إسبانيا في إنتاج الطاقة المتجددة سواء من الرياح أو الشمس، واستخدام الطاقة النووية، فلديها سبعة مفاعلات نووية عاملة تبلغ طاقتها 7.12 جيجاوات، كما تنتج الوقود الحيوي الذي بلغت كمياته في العام الماضي 38 ألف برميل.
وهكذا أسفر التوزيع النسبي لاستخدامات الطاقة في العام الماضي عن استحواذ النفط على نسبة 52% من الإجمالي، والغاز الطبيعي 20%، والطاقة المتجددة 12%، والطاقة النووية 11.7%، والطاقة الكهرومائية 2.3%، والفحم 2%.
كما تضمَّن التوزيع النسبي لمصادر توليد الكهرباء في عام 2023 الاعتماد على الوقود الأحفوري من نفط وغاز بنسبة 28% مع تغلُّب الغاز، وطاقة الرياح 24%، والطاقة النووية 20%، والطاقة الشمسية 17%، والطاقة الكهرومائية 8.5%، والطاقة الحيوية والنفايات 2%.
العامل الآخر المهم لاستيعاب العجز التجاري السلعي المزمن، الذي يتجه إلى الارتفاع كلما ارتفعت أسعار الطاقة، هو الفائض المستمر الذي تحققه التجارة الخدمية لإسبانيا منذ عام 1990 حتى العام الماضي بلا انقطاع. وبعد أن كان العجز التجاري السلعي أكبر من قيمة الفائض التجاري الخدمي لسنوات، فقد تغيرت الصورة منذ عام 2012 حتى العام الماضي، إذ أصبح الفائض الخدمي أكبر من العجز السلعي. ففي العام الماضي، ومع بلوغ العجز التجاري السلعي 47.7 مليار دولار، بلغ الفائض الخدمي 108 مليارات دولار، ليحقق ميزان السلع والخدمات فائضًا خلال السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة.
ويعود الفضل الكبير في فائض التجارة الخدمية إلى السياحة، إذ تحتل إسبانيا لسنوات المركز الثاني في عدد السياح الواصلين إلى دول العالم بعد فرنسا. ففي عام 2023، بلغ عدد السياح الواصلين 85.2 مليون سائح، أي نحو ضعف عدد السكان البالغ 47 مليون نسمة، وحققت إسبانيا إيرادات سياحية خلال العام بلغت 92 مليار دولار. وفي العام الماضي، بلغ عدد السياح الواصلين 83.8 مليون سائح بالمركز الثاني دوليًّا بعد فرنسا، وهو ما يتوقع الخبراء تكراره في العام الحالي.
