هل يعود نتنياهو لحرب غزة بعد استرداد الأسرى؟

متظاهر يحمل ملصقًا مُشوّهًا يُصوّر نتنياهو، كُتب عليه "إرهابي، مُبيد، مُغتصب"، خلال مظاهرة تضامن مع الفلسطينيين في مدريد (الفرنسية)

أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن ارتياحه لمسار المفاوضات غير المباشرة الجارية في مدينة شرم الشيخ المصرية، بين وفدي إسرائيل وحركة حماس، لإنجاز المرحلة الأولى من الصفقة (تبادل الأسرى) بوساطة مصرية– قطرية.
وتوقع ترامب، خلال تصريح في ساعة مبكرة من صباح اليوم (الثلاثاء)، التوصل إلى الاتفاق بشأن قطاع غزة قريبًا، وقال: “إننا بصدد صفقة اتفق عليها الجميع بشكل مذهل”.
وتتواصل المفاوضات غدًا (الأربعاء)، فيما يواصل جيش الاحتلال تمركزه في مناطق واسعة من القطاع، مع استمرار القصف الجوي لمناطق عديدة بالطائرات المسيرة، وإن بوتيرة أقل كثيرًا، لكنها سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يود استمرار الإبادة الوحشية للتفاوض تحت النار، لولا تشديد ترامب على وقف القصف.
من جانبه، أبلغ وفد حماس الوسطاء بأن استمرار القصف يعوق إنجاز الصفقة. وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أيهود أولمرت لقناة «الجزيرة» أن ترامب قادر على لجم نتنياهو وإنهاء هذه الحرب العبثية، فيما يشكك محللون كُثُر في وسائل الإعلام الإسرائيلية بـ«نوايا نتنياهو» في هذا الصدد.

اليوم التالي في إسرائيل.. وليس غزة

فالكيان الصهيوني اعتاد في أحوال كثيرة التحلل من الاتفاقات وخيانة العهود والمواثيق. فنتنياهو انقلب على هدنة يناير/ كانون الثاني 2025 لإنهاء حرب غزة، وعاود الإبادة والتوحش والتجويع بمجرد تسلم أسراه لدى المقاومة. ولم تحرك إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن ساكنًا.
وسلوك نتنياهو في الحرب على غزة كاشف عن رغبته في التخلص من الأسرى، رغم أنه يقول عكس ذلك تمامًا، فهو يرغب في استمرارها، مستهدفًا تفريغ القطاع من سكانه وتهجيرهم قسرًا، للقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية تمامًا. أو هكذا يتوهم، رغم استحالة ذلك عمليًا منذ 8 أكتوبر 2023.
كما أنه –وبحسب الساسة الإسرائيليين– يتحسب لليوم التالي في إسرائيل (وليس غزة) بعد أن تضع الحرب أوزارها، من زاويتين:
الأولى، خشيته من المحاكمة متهمًا بجرائم فساد منسوبة إليه، والسجن الذي ينتظره حال إدانته.
والثانية، هي الحساب العسير كونه مسؤولًا عن طوفان الأقصى والاختراق الأمني غير المسبوق الذي طال الكيان بأيدي رجال المقاومة البواسل الذين حطموا نظرية الردع وكل التحصينات الأمنية التكنولوجية الحديثة جدًا.

صفقات التبادل.. واستحالة استمرار الحرب

هل يعود نتنياهو إلى حرب الإبادة بعد إطلاق حركة حماس للأسرى الإسرائيليين المتبقين لديها وفقدانها هذه الورقة المهمة؟
واقع الحال أن نتنياهو لم يُنجز بالحرب أهدافه المعلنة التي لطالما رددها بلا ملل، وهي تحرير الأسرى بالضغط العسكري، وتدمير حماس، وإنهاء وجودها، أو بالأحرى إنهاء وجود المقاومة.
فجميع الأسرى الذين استردتهم إسرائيل –باستثناء عدد محدود يُعد على أصابع اليد– عادوا تنفيذًا لصفقات تبادل، وكان يمكنه استردادهم أحياءً منذ البداية وإنهاء الحرب بالتفاوض.
كما لا يمكن لحرب أن تستمر إلى ما لا نهاية دون أن يُرجى منها تحقيق أهداف سياسية قابلة للتحقق.

وعلى سيرة تدمير المقاومة، فقد اعترف نتنياهو ذاته قبل ساعات في تصريحات لبودكاست أمريكي بأن «حماس لم تُهزم بعد»، مؤكدًا أنهم سيصلون إلى هزيمتها، على حد تعبيره.
فحماس وإن كانت قد أُرهقت، إلا أنها لم تمت، ولا تزال صامدة، ومقاتلوها والفصائل الأخرى يوقعون حتى اللحظات الأخيرة القتلى والجرحى في صفوف جيش الاحتلال، الذي لم يهنأ بحربه على غزة، وتكبد خلالها مئات القتلى وآلاف الجرحى وكمًّا هائلًا من العتاد الحربي.

عار جريمة الإبادة.. إسبرطة القديمة وعار التوحش

ناهيك عن عار التوحش والإبادة الذي يلاحق إسرائيل وجيشها، والعزلة التي أطبقت عليها، إلى درجة أن نتنياهو يستحضر نموذج «إسبرطة اليونانية» القديمة التي تأسست عام 900 قبل الميلاد على القسوة وتجريد الجند من الأخلاق والعيش على الحروب، والكثير من المساوئ على شاكلة الكيان الصهيوني، لتسقط في النهاية معزولة ومحاصَرة.
وهي ذاتها النهاية التي ستصل إليها دولة الاحتلال إن عاجلًا أو آجلًا. وحتى لو تم نزع سلاح حماس وفقًا لخطة ترامب لإنهاء الحرب، فإن رجالها هم الذين صنعوه في ظل الحصار طوال 17 عامًا، وبإمكانهم صناعة أكثر منه مرة أخرى.
فالمقاومة فكرة وعقيدة لا تموت. قد تُصاب بالوهن أحيانًا لكنها تعود أشد بأسًا طالما وُجد احتلال.
فالثابت تاريخيًا وفي كل تجارب الاحتلال أنه لا يمكن هزيمة المقاومة نهائيًا والتخلص منها ما دام الاحتلال مستمرًا.
حدث هذا في فيتنام (أكثر من مليون وخمسمائة ألف قتيل فيتنامي في الحرب)، وأفغانستان، والعراق، وهُزمت أمريكا في الدول الثلاث، وانسحبت تجر أذيال الخيبة بعد سنوات طويلة. وسبق حدوثه في الجزائر التي دفعت مليون شهيد ونالت استقلالها من الاحتلال الفرنسي بعد احتلال دام 126 عامًا (1830–1956م)، ومقاومة مسلحة اندلعت لثماني سنوات (1954–1962م) بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية.

إسقاط القناع عن النازية والهمجية والعنصرية

حركة حماس لم تنهَزم في هذه الحرب، بل انتصرت بطوفان الأقصى الذي خططه رئيسها الشهيد يحيى السنوار، الذي استشهد في ميدان القتال ونال إعجاب شعوب العالم (1962–2024م)، والقائد الشهيد محمد الضيف (1965–2025م).والمُنفَّذ بأيادي مقاومين أشداء صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
فالطوفان دفع بـ«فلسطين» إلى صدارة الاهتمام العالمي، وأسكنها في قلب اهتمام شعوب الغرب لأول مرة، وأنتج طوفان الاحتجاجات اليومية في الدول الأوروبية وغيرها تضامنًا مع غزة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية بما فيها العديد من الدول الأوروبية الحليفة لأمريكا وإسرائيل.
كما أسقط الطوفان وما تلاه من جرائم ضد الإنسانية وإبادة في غزة القناع الزائف عن «الكيان الصهيوني المتوحش»، وكشف وجهه النازي والعنصري والهمجي، وأنه أبعد ما يكون عن التحضر والإنسانية والديمقراطية.
وأن العار سيلاحق الكيان وجيشه لسنوات طويلة قادمة على خلفية جرائم الحرب في غزة، لا سيما بعد أن يتكشف حجم الدمار والجرائم المرتكبة بحق المدنيين العُزّل.

إذا رجعنا إلى سؤال الحرب، فالعوامل والاعتبارات التي سردناها، ورغبة ترامب في إنهائها للفوز بجائزة نوبل، وتخليص إسرائيل من عزلتها، ربما تمنع نتنياهو والذين بعده من الحرب في غزة لسنوات طويلة قادمة.
أو هذا ما يفرضه المنطق.

نسأل الله النصر والسلام للشعب الفلسطيني.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان