ورحل أحمد عمر هاشم.. الذي لم يصبه الدور!

الدكتور أحمد عمر هاشم (منصات التواصل)

توفي الدكتور أحمد عمر هاشم عن عمر يناهز 84 عامًا، وهو من أشهر المتطلعين لمنصب الوزير.
منذ شبابه وهو «في الصورة»، ضيفًا ومقدِّمًا للبرامج الدينية في التلفزيون المصري، في وقت كان فيه الظهور التلفزيوني «أمَلَة»، وشغل موقع رئيس اللجنة الدينية بالحزب الوطني، وكان عضوًا في مجلس الشعب لدورات عدّة، لكن كل هذا لم يروِ ظمأه، فقد ظل يحلم بمنصب الوزير.

وكنا نعتقد أنها مسألة وقت، فمع كل تشكيل وزاري كانت ترشّحه التوقعات الصحفية لموقع وزير الأوقاف، ولم يُنكر هو أنه مع بداية كل تشكيل وزاري كان يجلس بجانب الهاتف، في وضع الاستعداد للذهاب لحلف اليمين، وفي كل مرة لا يحالفه الحظ. ولعله لم يفقد الأمل تمامًا إلا بتقدّمه في السن!

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

وربما كان هو وغيره ممّن أوحوا للساخر أحمد رجب ومصطفى حسين بالشخصية الكاريكاتورية «عبده مشتاق»، وذلك رغم أنه لم يكن ينقصه شيء من الحضور والوجاهة والمناصب البديلة، وكان إذا دخل وزارة لم يجد الوزير غضاضة في أن يستقبله على بابها.

وقد شوهد وزير بقيمة وقدر وزير العدل فاروق سيف النصر أكثر من مرة يستقبله عند الحضور ويودّعه عند الانصراف، كما لو كان في استقبال وتوديع رئيس الجمهورية، ربما للمقام الصوفي للدكتور أحمد عمر هاشم، وهو من إذا خطب ومدح الرسول شعرًا أذهب العقول، بيد أن المشكلة في هذا الحلم بموقع الوزير.

غضبة الرجل

ذات يوم من عام 1997وقف في مجلس الشعب ثائرًا وغاضبًا وخطيبًا، لأن إبراهيم سعده، رئيس تحرير جريدة «أخبار اليوم»، هاجمه في مقال، وفقد فتحي سرور، رئيس المجلس، وكمال الشاذلي، وزير شؤون البرلمان، السيطرة عليه، إلى أن وصل الأخير إلى كلمة السر التي أعاد بها إليه هدوءه: «إزاي عاوز تبقى وزير ولا تتحمّل هجوم الصحافة؟ هذه ضريبة المنصب، وانظر ماذا تفعل فينا الصحافة!» (صحافة من التي تجرؤ أن تهاجم كمال الشاذلي؟).

هدأ الدكتور أحمد عمر هاشم بعد هذا التذكير بالمنصب المنتظر، لكن بعدها لم يتوقّعه أحد في أي تشكيل وزاري في هذه المرحلة، ولعل كل هذه المناصب لم تُنسِه حلم حياته، والموقع الوحيد الذي كان يمكن أن يمثّل له قيمة مضافة هو منصب شيخ الأزهر. وحتى هذا لم ينله، وربما لم ترشّحه التوقعات بعد وفاة الشيخ محمد سيد طنطاوي، لأن حضوره السياسي والإعلامي كان غالبًا على أدائه.

الشغف بالمنصب الوزاري

وليس في شغف الرجل بالمنصب الوزاري ما يسيء إليه، فالنفس البشرية غريبة في أحوالها. ولعل من قرأ مذكرات الدكتور محمود الربيعي، نائب رئيس مجمع اللغة العربية بمصر، وقف على شيء من هذا وهو يتحدث عن حلمه في موقع وكيل كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، واعتبرها مسألة حياة أو موت، فلما فاز بها شعر كأنه حِيزت له الدنيا بحذافيرها. وماذا في الموقع يستحق هذه الحرب التي خاضها وهو قيمة كبيرة عند تلاميذه؟ لا شيء غير أنها النفس البشرية!

وكثيرون ممّن درسوا السياسة يرون أن مشوارهم في الحياة بلا قيمة ما لم يكتمل بمنصب الوزير. فيسخّر جامعي مرموق مثل الدكتور علي الدين هلال عمله في خدمة النظام، وبعد طول انتظار ومعاناة وشقاء يمنّون عليه بمنصب وزير الشباب والرياضة. وماذا في وزير كرة القدم يُغري بالقبول لأكاديمي مرموق مثله؟ هذه حسابات من على البر، وقديمًا قيل: من على الشط عوام!

ولعل تلاميذ الرجل أذهلهم قبوله بهذا المنصب، الذي خرج منه بصفر المونديال، فلا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى. فلما رأى لجنة السياسات برئاسة نجل الرئيس مبارك، قال: «هذا ربي، هذا أكبر».

صلاح عيسى ومنصب رئيس التحرير

في مشاحنة تلفزيونية، قلتُ للكاتب الكبير صلاح عيسى -رحمه الله- «ماذا في منصب رئيس التحرير لتقبله مع هذه التنازلات؟ كتاب واحد من كتبك أفضل من قيمة كل رؤساء تحرير مصر!»، وكنت قد فرغت قبل قليل من قراءة كتابه المهم «حكايات من دفتر الوطن».

وبعد تفكير، وقفت على أنها حساباتي أنا، التي ليست ملزمة له. فهو من ظل في كل تجاربه السابقة الرجل الثاني (مدير تحرير)، وإن كتب الجريدة من الجلدة للجلدة، كما كان يفعل في «الأهالي». وليس شرطًا بعد ذلك أن يبدد سمعته النضالية من أجل القبول بمنصب رئاسة تحرير جريدة أسبوعية تصدر عن وزارة الثقافة. فلمَ اعتبر البعض أن موقفه المنحاز للوزير قبل تولي رئاسة التحرير انقلابٌ على تاريخه؟ برّر هذا بأن الوزير عالجه على نفقة الدولة عندما احتاج لإجراء عملية القلب المفتوح. حتى ينظروا من هذه الزاوية الإنسانية!

فكان الثمن لهذا الانقلاب المفاجئ هو رئاسة تحرير جريدة «القاهرة»، بعد أن قاد انقلابًا على صهره الكاتب الكبير رجاء النقاش، الذي كان فاروق حسني قد اختاره رئيسًا للتحرير، واختار هو زوج شقيقته عيسى مديرًا للتحرير.

مصطفى الفقي أيضًا

الناس فيما يعشقون مذاهب، ومصطفى الفقي لا يزال يشعر إلى الآن بالغبن، لأن مسيرته الوظيفية لم تتوّج بموقع الوزير، وهو الذي شغل موقع سكرتير الرئيس مبارك للمعلومات لسنوات، كان الوزراء خلالها يسعدهم الاقتراب منه. بيد أنها الرغبات الإنسانية.

وقد كان الدكتور أحمد عمر هاشم حضورًا ووجاهة ونجومية في مراحل طويلة من حياته، وحتى وفاته، أهم من أي وزير، لكنه كان يحلم أن يكون وزيرًا، وحلمه معلن ومعروف ومتوقَّع. ولعله لهذا لم يُمكّنه مبارك منه، إذ لم يكن يلبي رغبة مشتاق، وكان لا يحب أحدًا يتوقّعه. وما أن تنشر الصحف عن تغيير وزاري حتى يؤجّله، وعن اختيار أحد الأشخاص لحقيبة حتى يستبعده، وعن تعيين أحد في المجالس النيابية حتى يعدل عن قراره!

وربما لهذا لم يُعيَّن الرجل وزيرًا، لكنه مات وهو أكثر صيتًا من كثيرين شغلوا الموقع. وسينسى الناس نشاطه السياسي، ولن يتذكّروا سوى خطبه الرنّانة في حب الرسول ﷺ.

رحم الله الدكتور أحمد عمر هاشم وأحسن إليه.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان