الانتخابات الأوغندية: ديمقراطية على قدر المقاس

ملصقات دعاية للرئيس الأوغندي يويري موسيفني (الفرنسية)

تعيش مدن أوغندا وقراها، الدولة الواقعة في شرق إفريقيا، حمى الانتخابات العامة التي ستُجرى في يناير/كانون الثاني المقبل، حيث تمتلئ الشوارع بصور المرشحين والمرشحات، وتتوشح بالألوان المختلفة التي اتخذتها الأحزاب شعارا لها، فالأصفر لحزب موسيفني، والأحمر لحزب بوبي واين المعارض… وهكذا. كما تحتشد الساحات العامة باللقاءات السياسية التي لا تخلو من بعض مظاهر العنف التي اعتادت عليها أوغندا في كل انتخابات.

تُعد الانتخابات العامة، التي تُجرى كل خمس سنوات، موسما للنشاط السياسي والإعلامي، وتفريغ الكبت الذي تعيشه القوى السياسية في ظل نظام يقول الدستور إنه يتبنى التعددية السياسية، تحت قيادة الرئيس يويري موسيفني منذ أربعين عاما.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

استولى موسيفني على السلطة عام 1986 بعد الإطاحة بنظام الجنرال عيدي أمين، وحكم بنظام الحزب الواحد لمدة عشرين عاما، ثم عدّل الدستور عام 2005 ليُقر نظام التعددية الحزبية على الطريقة الإفريقية، بمقاس منضبط يسمح ببعض الحركة دون إمكانية حقيقية لتغيير النظام.

يتنافس في الانتخابات الحالية سبعة وعشرون حزبا مسجّلا، بجانب بضعة أحزاب أخرى تسعى للتسجيل للحاق بالسباق الانتخابي، ويأتي في المقدمة حزب «الحركة الوطنية للمقاومة» الذي أسسه موسيفني، ويملك أغلبية ساحقة في البرلمان الحالي (339 نائبا من جملة 529 هم كل أعضاء البرلمان). يليه في عدد النواب «منبر الاتحاد الوطني» بزعامة المغني الشاب روبرت كياغولاني «بوبي واين» ويملك 57 مقعدا في البرلمان، ثم «تجمع التغيير الديمقراطي» الذي يقوده باتريك أوبوي والدكتور كيزا بسيجي وله 32 مقعدا، و«الحزب الديمقراطي» الذي يقوده روبرت ماو بتسعة مقاعد، ثم تسعة مقاعد أيضا لـ«مؤتمر الشعب الأوغندي» بقيادة جيمي مايكل أكينا، ثم مقعد واحد لكل من «منبر العدالة» و«حزب الشعب التقدمي».

مرشحو الرئاسة


يتنافس ثمانية مرشحين على مقعد الرئاسة، أولهم وأوفرهم حظّا الرئيس الحالي يويري موسيفني عن «حركة المقاومة الوطنية»، وروبرت كاسيباندي عن «حزب الفلاحين الوطني»، وجوزيف مابريزي عن «حزب المحافظين»، وجيمس ناندالا عن «تجمع التغيير الديمقراطي»، وجريجوري موقيشا عن «تحالف التحول الوطني»، وروبرت كياغولاني «بوبي واين» عن «منبر الاتحاد الوطني»، ومبارك مونياقوا عن «حزب الإنسان العادي»، وفرانك بوليرا عن «حزب الشعب الثوري».

يقدّم موسيفني وحزبه أنفسهم بأنهم ضمانة استمرار حالة الاستقرار والنمو المتدرج في أوغندا، حيث توقفت الحروب والاضطرابات منذ سنوات طويلة، خاصة بعد زوال خطر «جيش الرب» المعارض الذي كان ينشط في مناطق الشمال، ولهذا يضع شعار حملته الانتخابية «حماية المكاسب»، ولا يتورع مرشحو الحزب في المحافظات المختلفة عن تخويف الناس بمصير الدول الإفريقية التي تشهد حروبا أهلية، إذا ما جاء رئيس غير موسيفني، فهو ضمانة الاستقرار والاستمرار.

ويعترف قادة المعارضة بأن الأوغنديين قرّروا منذ سنوات طويلة أن يضحّوا بالديمقراطية مقابل الاستقرار والأمان في ظل قائد قوي مثل موسيفني، ولكنهم يقولون إن النظام قد شاخ مع تقدّم موسيفني ورفاقه من قادة «الحركة الوطنية للمقاومة» في العمر، وانتشر الفساد في الدوائر الحكومية من أسفلها لأعاليها، ويضيفون أن المقايضة القديمة لم تعد صالحة للعصر الحالي، وأن غياب الديمقراطية سبب أساس في انتشار الفساد وغياب المحاسبة وضعف حركة نمو الاقتصاد.

شيخوخة النظام

وبرغم التاريخ السياسي القريب وذاكرة العنف والحروب الأهلية وسيطرة موسيفني ورجاله على الحكم لسنوات طويلة، والتي قد تلعب لصالح الحزب الحاكم، فإن مظاهر شيخوخة النظام لا تخفى على العين، سواء على المستوى البيولوجي لرجال ونساء في الثمانين من العمر يتحركون بصعوبة لملاقاة الناخبين، أو على مستوى نضوب الأفكار وشيخوخة اللغة التي لم تعد صالحة لمخاطبة الجيل الجديد.

ويقول المراقبون للانتخابات الأوغندية في الدورات المختلفة إن المعارضة التي تنشط حاليا صارت أكثر جرأة في مواجهة موسيفني ورجاله، والسخرية من شيخوختهم، وفي الحديث عن الفساد وضرورة التجديد وفتح الباب أمام الوجوه الجديدة. كما أن المعارضة اقتحمت هذه المرة معاقل موسيفني وحزبه في الأرياف، التي كانت مصدر قوة موسيفني التاريخية، وصارت تنظّم لقاءات جماهيرية ومسيرات كبيرة لم تكن قادرة على فعلها في الماضي، رغم وجود حالات من العنف المدفوع من أجهزة السلطة.

وبرغم كل هذا الحراك غير المسبوق، فإن هناك إجماعا كبيرا على أن البلاد غير مهيأة لحالة انتقال سياسي كامل من عهد موسيفني إلى عهد جديد، وأن الجيش والأجهزة الأمنية ستقاوم أي تغيير جذري قد يُقصي موسيفني وحزبه، وغاية ما سيحدث هو نشاط سياسي متزايد مع توقّع زيادة حصة المعارضة في البرلمان بدرجة لا تهدد أغلبية «الحركة الوطنية للمقاومة».

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان