السندات الأمريكية تجبر ترامب على تعليق الجمارك العالية

أشعل الرئيس الأمريكي ترامب حربا تجارية دولية في الثاني من الشهر الحالي، من خلال رفعه للرسوم الجمركية على السلع الواردة من 185 دولة إلى الولايات المتحدة، بنسب تراوحت بين 10% لحوالي مئة دولة، ونسب متدرجة من 11% وحتى 50% لعدد 83 دولة أخرى. وتبرير الإدارة الأمريكية لتلك الرسوم المرتفعة بأنها تستهدف الرسوم الجمركية المتبادلة، التي تفرضها دول العالم على وارداتها من السلع الأمريكية، والتي تقلل من نفاذ الصادرات الأمريكية إلى تلك الدول.
واستعرض الرئيس الأمريكي تلك الرسوم المرتفعة التي تفرضها دول العالم على وارداتها السلعية من الولايات المتحدة، ومن ذلك على سبيل المثال: فيتنام التي تفرض جمارك بنسبة 90% على السلع الأمريكية، وبالتالي فإن الولايات المتحدة ستفرض على وارداتها منها رسوما جمركية بنسبة 46%، أيضا الاتحاد الأوربي الذي يفرض جمارك على السلع الأمريكية بنسبة 39%، ولذلك فرضت أمريكا على سلعه جمارك بنسبة 20%، وهكذا بالنسبة لباقي الدول التي زادت نسب الجمارك عليها عن العشرة بالمائة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمناجم الملح في سيوة.. كنز أبيض وسط الرمال
الحويني نسيج وحده 3/2 «أبو إسحاق الحويني في ميزان الشيخ كشك»
كشف المستور في “أزمة زيزو”
مع الأخذ في الاعتبار أن إحدى وكالات الأنباء قد قارنت بين النسب الجمركية، التي ذكرها ترامب كنسب مفروضة على السلع الأمريكية، وبين متوسط التعريفات الجمركية بتلك الدول حسب بيانات منظمة التجارة العالمية، واكتشافها مبالغة ترامب في النسب الجمركية التي ذكرها، وأن النسب الموجودة أقل من ذلك كثيرا.
السبب الثاني لتبرير الإدارة الأمريكية رسومها المرتفعة هو محاولتها تقليل العجز التجاري السلعي المزمن، الذي بلغ بالعام الماضي 1.202 تريليون دولار، كفرق بين الصادرات البالغة 2.065 تريليون دولار والواردات البالغة 3.267 تريليون دولار، من خلال رفع تكلفة تلك الواردات داخل الأسواق الأمريكية، مما يقلل تنافسيتها ويقلل الطلب عليها لصالح المنتجات الأمريكية، الأمر الذي يشجع الصناعات المحلية.
الرسوم تشمل دول الفائض التجاري
وهذا هو السبب الثالث لتعريفات ترامب الجمركية الجديدة، وهو تشجيع الشركات الدولية على الانتقال بمصانعها من الدول الأخرى إلى الولايات المتحدة، حتى تسوق منتجاتها بالسوق الأمريكية الكبيرة دون أن تتعرض للرسوم الجمركية المرتفعة، وهو ما من شأنه أن يشجع الصناعة الأمريكية التي شكا ترامب من انخفاض نصيبها من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي إلى 11%.
ومن تراجع نصيب الناتج الصناعي الأمريكي من الناتج الصناعي الدولي من 28.4% عام 2000 إلى 17.4% عام 2023، الأمر الذي ترتب عليه فقدان وظائف بقطاع التصنيع بلغت حوالي 5 ملايين وظيفة ما بين عامي 1997 و2024، حسب تصريحه.
تلك هي المبررات التي يسوقها ترامب لرسومه الجمركية التي دفعته لتوسيع دائرة نطاق تنفيذها حتى بلغت 185 دولة، رغم أن عدد الدول والجزر والمقاطعات التي حققت معها عجزا تجاريا بالعام الماضي قد بلغت 101 جهة، وبما يعني شمول رفع الرسوم الدول التي تحقق فائضا تجاريا مزمنا معها، وحتى على الدول العشرين التي ترتبط معها الولايات المتحدة باتفاقيات تجارة حرة، ومنها كوريا الجنوبية التي تم فرض نسبة 25% على سلعها.
مع الأخذ بالاعتبار مبالغة الولايات المتحدة في رفع نسب الجمارك رغم صغر قيمة العجز التجاري مع العديد من الدول، كذلك مركز الولايات المتحدة المتأخر بصادرات العديد من الدول التي تم فرض نسب جمركية عالية عليها.
ليظل الأثر الأكبر للتعريفات على الدول التي احتلت الولايات المتحدة بالعام الماضي المركز الأول بصادراتها، مثل ألمانيا وأيرلندا واليابان وإسرائيل وكذلك ما حدث عام 2023 من مجيء الولايات المتحدة بالمركز الأول بصادرات كلا من: الصين وتايلاند وسويسرا وباكستان والهند والأردن ونيكاراغوا والفلبين وفيتنام، وارتفاع نسب الجمارك التي فرضتها أمريكا على تلك الدول، التي دفعت عشرات الدول للاتصال بالإدارة الأمريكية للتفاوض معها لخفض نسب الجمارك عليها.
125 % جمارك أمريكية على الصين
ومع التداعيات السلبية للجمارك الأمريكية على أسواق الأسهم بالعالم التي فقدت نحو عشرة تريليونات من الدولارات، وزيادة توقعات الركود التضخمي بالاقتصاد الأمريكي، وإصرار ترامب على رسومه بقوله إنه رئيس للطبقة العاملة وليس لوول ستريت، كان السؤال لدى الخبراء عن من يقنع ترامب بتعليق الرسوم، هل سيكون الكونغرس، أم مستشارو الرئيس، أم كبار رجال الأعمال، أم القضاء، أم الأسواق؟
حتى جاءت الإجابة من سوق السندات الأمريكية مع ارتفاع العائد على سندات الخزانة الأمريكية، حيث تعد سندات الخزانة الأمريكية الملاذ الآمن للبنوك المركزية بالعالم، التي تستفيد أمريكا من تلك الثقة بالسندات باستخدامها كوسيلة رئيسية لسد العجز المزمن بموازنتها.
وجاء ارتفاع الفائدة على تلك السندات كتعبير عن اهتزاز الثقة بها، مما يهدد المنظومة التي تعول عليها الولايات المتحدة كثيرا، الأمر الذي دفع الرئيس ترامب لتعليق الرسوم العالية لمدة ثلاثة أشهر وطمأنة الأمريكيين على سوق السندات، وخفض النسب الأعلى التي بلغت 50% إلى 10% بتلك الفترة، للدول التي لم تقم بإجراءات إنتقامية ردا على الرسوم الأمريكية، فيما عدا الصين التي ردت على الرسوم الأمريكية البالغة 34% بنسبة مماثلة، وعندما أضافت الولايات المتحدة 50% أخرى على الصين، ردت الصين برفع جماركها على السلع الأمريكية الواردة إليها بنسبة مماثلة.
لترد أمريكا على الصين برفع جديد للرسوم الجمركية على الصين بنسبة 21% لتصل النسبة الإجمالية إلى 125%، مقابل 84% للجمارك الصينية على السلع الأمريكية، مع قيام الصين بخفض جديد لعملتها واتخاذ إجراءات ضد عدد من الشركات الأمريكية، ووضع قيود على بعض المعادن النادرة التي تمتلك نسبة كبيرة منها، وتقديم شكوى ضد الولايات المتحدة بمنظمة التجارة العالمية، التي تقف مكتوفة الأيدي حتى الآن تجاه الرسوم الأمريكية التي تتعارض مع حرية التجارة.
وفي العام الماضي بلغت قيمة الواردات الأمريكية من الصين 439 مليار دولار، تشكل نسبة 13.4% من الواردات الأمريكية وبالمركز الثاني بدول الواردات بعد المكسيك، في حين بلغت الصادرات الأمريكية للصين 143.5 مليار دولار بنسبة 7%، من مجمل الصادرات ولتحتل المركز الثالث بالصادرات الأمريكية بعد كندا والمكسيك، ولتصبح الشريك التجاري الثالث لأمريكا بعد المكسيك وكندا بنصيب 11%، وليصل العجز التجاري الأمريكي مع الصين 295 مليار دولار وهو العجز الأكبر لها مع دول العالم.
أما الاتحاد الأوروبي فقد كان موقفه ضعيفا كالعادة حين اتخذ إجراءات انتقامية على سلع أمريكية بقيمة 21 مليار يورو، رغم بلوغ قيمة وارداته من الولايات المتحدة بالعام الماضي 370 مليار دولار حسب البيانات الأمريكية، في حين فضلت دول مثل فيتنام والهند وكوريا الجنوبية ودول الآسيان العشرة التفاوض مع الإدارة الأمريكية من بين 75 دولة ذكرت الإدارة الأمريكية سعيها للتفاوض معها.