صفعات ترامب لدول العالم!

العلم الأمريكي فوق سطح مبنى البنتاغون (رويترز)

(1) تحملوا صفعات ترامب لو أردتم الحياة!

حذّر وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، دول العالم مؤخرًا من الرد على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على صادراتها إلى الولايات المتحدة. وقال الوزير مخاطبًا قادة الدول المعنية: “استرخوا، تحملوا الضربة، وانتظروا لتروا كيف سيتطور الوضع، لأن الرد سيؤدي إلى تصعيد”.

عجيب أمر ترامب وإدارته، التي اختارها بعناية لتكون على شاكلته! فهم يوجهون الصفعات إلى دول العالم، ثم يمنعونها من اتخاذ أي موقف دفاعي. يريد ترامب من الدول أن تفعل ما فعله نتنياهو عندما جاء إلى البيت الأبيض حاملًا عرضًا بإلغاء جميع الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية، متوسلًا خفضًا في نسبة الرسوم التي فرضها ترامب على إسرائيل (التي تصل إلى 17%)، مع وعد بإنهاء العجز في الميزان التجاري بين البلدين عبر استيراد المزيد من البضائع الأمريكية.

لكن ما لم يدركه نتنياهو أن التحالف والتقارب شيء، والبزنس شيء آخر عند ترامب، وهو ما عبّر عنه الأخير صراحةً بقوله: “لن أخفض الرسوم الجمركية على إسرائيل، فهي تحصل على الكثير من المساعدات الأمريكية بالفعل”.

سارعت كندا والمكسيك والصين بالرد على قرارات ترامب بتنفيذ سياسة المعاملة بالمثل، بينما تتريث الدول الأوروبية، لكنها لم تنفِ أنها ستتخذ الإجراءات اللازمة إذا استمرت هذه الزيادات الجمركية. ولا يزال الأمل قائمًا لدى دول الاتحاد الأوروبي في إقناع ترامب بالتوصل إلى اتفاقيات متوازنة تحقق مصالح الطرفين، دون أن تسبب خسائر اقتصادية تضاعف الأعباء على اقتصاداتها المتضررة أصلًا بسبب الحرب الأوكرانية.

الصين، كانت الأكثر تشددًا في رفضها للحرب التجارية التي أشعلها ترامب، واتخذت إجراءات متسقة مع تهديداتها، مثل إيقاف صفقة تيك توك التي كان يسعى إليها ترامب بشدة. يبدو أن التهديدات الأمريكية لم تنجح في إخافة التنين الصيني، الذي قرر بعد دراسة متأنية مواجهة الولايات المتحدة اقتصاديًّا بصورة علنية، وقد يمتد هذا التصعيد إلى مواجهة عسكرية إذا قررت الصين استعادة تايوان بالقوة وضمها قسرا إلى الوطن الأم متجاهلة التهديدات الأمريكية.

يعتقد ترامب أن الرسوم الجمركية ستضر الاقتصاد الصيني أكثر من الاقتصاد الأمريكي، لكن ويليام هيرست، أستاذ التنمية الصينية في جامعة كامبريدج، يرى غير ذلك فلقد صرح بأن “الرسوم الجمركية ستضر بعض القطاعات الصينية، لكنها لن تؤثر بشكل حاسم على الاقتصاد الصيني، الذي بات يعتمد أكثر على أسواق أخرى مثل أوروبا وجنوب شرق آسيا وإفريقيا”.

صحيح أن الصين ستتأثر بفقدان السوق الأمريكية، لكن الضرر سيكون أكبر على المنتجين الأمريكيين أنفسهم.

 (2) الأكذوبة الكبرى: أمريكا ضحية!!

يحاول ترامب ترويج فكرة أن أمريكا تعرضت للنهب والاستغلال من قبل دول العالم على مدى عقود، لكن هذه الأكذوبة لا يصدقها إلا أنصاره من البسطاء والعنصريين، الذين يريدون تحميل العالم أسباب فشلهم، بدلًا من مواجهة الأسباب الحقيقية لخلل الميزان التجاري وارتفاع الدين الأمريكي، التي كشفها الرئيس الأسبق جيمي كارتر عندما قال: “أمريكا عاشت في سلام فقط 16 عامًا من أصل 242 عامًا من تاريخها، مما يجعلها أكثر الدول انخراطا في الحروب في العالم مقارنة بعمرها”. وأضاف كارتر: “الولايات المتحدة أهدرت 3 تريليونات دولار على الحروب، بينما لم تنفق الصين فلسًا واحدًا على الحروب، وهذا سبب تقدمها في كل المجالات، فالصين تمتلك 18,000 ميل من السكك الحديدية الفائقة السرعة، بينما تتدهور البنية التحتية الأمريكية بسبب الإنفاق العسكري المفرط. لو أنفقت أمريكا على التنمية كما فعلت الصين، لكانت تمتلك طرقًا وجسورًا حديثة، ونظامًا تعليميًّا متطورًا مثل كوريا الجنوبية أو هونغ كونغ”.

إذا كانت أمريكا تعاني من عجز في ميزانها التجاري وارتفاع في الديون، فذلك نتيجة سياساتها العدوانية ومحاولاتها المستمرة لفرض الهيمنة بالقوة. والغريب أن ترامب نفسه يعلن عن زيادة الإنفاق العسكري إلى تريليون دولار لأول مرة في تاريخ أمريكا، بينما يدين زيادة الإنفاق العسكري الصيني!

ترامب يحاول الاستيلاء على ثروات العالم بالبلطجة والإرهاب وزعزعة الاستقرار والأمن العالمي، كما يحدث الآن في تهديده لإيران، لكن هذه السياسات لن تنجح على المدى الطويل بل ستؤدي إلى عكس ما يهدف إليه.

 (3) مفاوضات السبت: تهديد بالعصا دون جزرة

فاجأ ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أثناء لقائه معه في البيت الأبيض، بأن المفاوضات مع إيران حول ملفها النووي ستبدأ يوم السبت القادم، رغم أنه هو نفسه الذي انسحب من الاتفاق النووي خلال ولايته الأولى. لكن الوضع هذه المرة مختلف لسببين:

الأول: الانفراد الأمريكي هذه المرة، تذهب واشنطن إلى المفاوضات دون حلفائها الأوروبيين، تمامًا كما فعلت في ملف الحرب الأوكرانية، مما يفقدها الدعم الدولي. الثاني: ضعف إيران النسبي: بسبب استمرار العقوبات الاقتصادية، وخسارة حلفائها في المنطقة، مثل تراجع نفوذ حزب الله، وسقوط نظام بشار الأسد، والضربات الأمريكية القوية والمتكررة على الحوثيين.

يضع ترامب شروطًا لإيران قبل بدء التفاوض: تخلّيها كليا عن برنامجها النووي، ووقف دعمها لمحور المقاومة المعادي لإسرائيل.

مقابل ذلك، يعدها بعدم توجيه ضربة عسكرية مدمرة لها قد تقوض نظام الحكم فيها. لكنه لم يقدم أي إغراء حقيقي، مثل رفع العقوبات، لأنه يعتقد أن عدم ضرب إيران بحد ذاته هو “الجائزة الكبرى”!

صحيح أن إيران في موقف صعب، لكن ترامب في موقف أصعب، لأنه لم يعد لديه حلفاء مستعدون لمجاراته في سياساته الانفرادية التي يبحث فيها عن طوق نجاة لبلاده على حساب الجميع. في اعتقادي أن التحالف الصيني الروسي الإيراني لن يسمح بضربة أمريكية مدمرة لإيران قد تقوض الحكم فيها، كما أن دول الخليج نفسها تعارض أي تصعيد قد يؤدي إلى فوضى إقليمية وعدم استقرار قد يستمر لعقود ويدمر خطط التنمية لديها.

ترامب يقود أمريكا إلى العزلة، ومخالفته لقواعد الدبلوماسية والأعراف الدولية والتحالفات الاستراتيجية ستدفع بلاده ثمنها غاليًا. وعندها، سيكتشف أن سياساته كانت حماقة باهظة الثمن، وسيصيح بملء فمه: “حتى أنت يا بروتس”!!

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان