ترامب وفوضى العالم: من قناة بنما إلى قناة السويس!

ترامب يرى أن جامعة هافارد العريقة تشكل تهديدا للديمقراطية
ترامب (رويترز)

منذ أن أدى دونالد ترامب اليمين الدستورية مجددًا في 20 يناير 2025، وعاد إلى البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة، والاقتصاد العالمي يشهد اضطرابات متزايدة، وحلفاء أمريكا يشعرون بالقلق، بينما أسس الديمقراطية الأمريكية تتعرض لتهديدات. ومنذ توليه منصبه، لم يتوقف ترامب عن إثارة الجدل عبر تصريحاته التي تتسم بالفوضى وعدم الاستقرار. وفي أحدث تطور له، أعلن في 26 إبريل، عبر حسابه على “تروث سوشيال” مطالبًا بمرور السفن الأمريكية عبر قناة السويس دون دفع أي رسوم، مشيرًا إلى أن “هذه القنوات لم تكن موجودة لولا الولايات المتحدة الأمريكية!” هذا التصريح أثار العديد من التساؤلات حول تأثيره على السياسة المصرية والاقتصاد العالمي.

قناة السويس.. شريان الحياة لمصر في مرمى الفوضى

تُعتبر قناة السويس أحد أعمدة الاقتصاد المصري، حيث تعد شريانًا حيويًا لحركة التجارة العالمية، بالإضافة إلى كونها مصدرًا رئيسيًا للعملة الأجنبية. لكن تصريحات ترامب بشأن مرور السفن الأمريكية دون دفع رسوم عبر قناة السويس، التي تحظى بأهمية استراتيجية في حركة الشحن العالمية، تعكس غريزة ترامب الفوضوية في التعامل مع القضايا الدولية.

قناة السويس، التي تم افتتاحها في عام 1869 تحت إشراف الفرنسي فرديناند دي لسبس، لا علاقة للولايات المتحدة بإنشائها أو تاريخها. وعلى الرغم من ذلك، فإن ترامب استغل تصريحاته للدعوة إلى تطبيق “المرور المجاني” على جميع السفن الأمريكية، العسكرية منها والتجارية، عبر هذه القناة، معتبرًا أن الولايات المتحدة هي من جعلت هذه القنوات ممكنة.

وقد أشار إلى ضرورة أن يتخذ وزير الخارجية ماركو روبيو إجراءات فورية بشأن هذا الموضوع. لكن السؤال المطروح هنا هو: كيف سيؤثر هذا التصريح على مصر، التي تعاني بالفعل من مشاكل اقتصادية خانقة؟

استراتيجية “غرق الساحة بالهراء”

من المعروف أن ترامب يتبع أسلوبًا فوضويًا في الحكم، يعتمد على تبني استراتيجيات سريعة التغيير والتبديل في القضايا المطروحة، مما يصعب على منافسيه متابعته. إن أسلوبه هذا ليس جديدًا، بل هو مستمر منذ بداية مسيرته السياسية. فقد تعلم هذا الأسلوب من محاميه القديم روي كوهن، الذي كان يوصيه بتعطيل خصومه عبر “غرق الساحة بالهراء”، حيث يُغرق الرأي العام بالعديد من القضايا المتشابكة بحيث لا يستطيع أحد اللحاق به.

فعلى سبيل المثال، انتقل ترامب سريعًا من قضية أوكرانيا إلى الرسوم الجمركية، ثم إلى ترحيل المهاجرين، ومن بعدها إلى الهجوم على رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول، ثم إلى بنما وأخيرًا قناة السويس. هذه القضايا المتعددة التي يثيرها باستمرار تجعل من الصعب على أي جهة متابعة كل هذه التحولات، مما يعزز أسلوبه في الحكم الفوضوي.

تُعتبر قناة السويس واحدة من أهم طرق التجارة في العالم، حيث تمر بها حوالي 10% من حركة الشحن العالمية. ورغم أن ترامب يزعم أن الولايات المتحدة هي من جعل هذه القنوات ممكنة، فإن الواقع يختلف تمامًا. فعلى الرغم من أن قناة السويس المصرية لم تُبنَ بجهود أمريكية، إلا أن هذه التصريحات تضع مصر أمام تحديات اقتصادية جديدة.

القناة شهدت مؤخرًا تحديات كبيرة بسبب الهجمات التي شنها الحوثيون على السفن التجارية، مما أثر سلبًا على حركة التجارة في القناة. وقد تسبب ذلك في خسائر كبيرة للعملة الأجنبية في مصر، التي تعتمد على إيرادات قناة السويس بشكل كبير. وفي هذا السياق، أشار تقرير لمجلة “دير شبيجل” الألمانية إلى محادثات مسربة بين مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى، حيث عبر بعضهم عن غضبهم من أن المستفيد الأول من تصدر الولايات المتحدة للمشهد في محاولة إنقاذ التجارة في قناة السويس هي الدول الأوروبية.

السياسة الخارجية لترامب: السيرك الذي لا يتوقف

في هذا السياق، تحدث البروفيسور شتيفان بيرلينغ، الخبير السياسي الألماني ومؤلف كتاب “الولايات المتحدة غير المتحدة: النظام السياسي الأمريكي ومستقبل الديمقراطية”، في مقابلة مع موقع “تي أونلاين”، مؤكدًا أن ترامب لا يكترث للعواقب عند اتخاذ قراراته. وأوضح أن الأمور تحت حكمه أصبحت أشبه بعرض سيرك، حيث تسود الفوضى في تصريحاته وأفعاله، ولا يظهر أي اهتمام بالعواقب بعيدة المدى.

وأشار بيرلينغ إلى أن بعض الأشخاص في إدارة ترامب، مثل ماركو روبيو، يحاولون بذل جهد يائس لتفسير تصرفات ترامب السياسية وإضفاء طابع عقلاني عليها. وبرغم محاولاتهم، تبقى سياسة ترامب مشتتة وغير قابلة للفهم، مما يجعل من الصعب على أي جهة أن تواكب تصرفاته.

في النهاية، يمكن القول إن سياسة ترامب الفوضوية تؤدي إلى زيادة التوترات على الساحة الدولية. فبينما يسعى ترامب للظهور كزعيم قوي، فإن أسلوبه في الحكم لا يسهم سوى في إضعاف النظام السياسي الأمريكي وإثارة الاضطرابات في الاقتصاد العالمي.

من جهة أخرى، يتساءل البعض عن كيفية تأثير تصريحه بشأن قناة السويس على مصر والاقتصاد العالمي، في وقت تعاني فيه مصر بالفعل من أزمة اقتصادية حادة.
يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه التصريحات ستزيد من تعقيد الوضع أم أن إدارة ترامب ستواصل اتخاذ خطوات غير مدروسة قد تهدد الاستقرار العالمي!

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان