ترامب يدعم إسرائيل ويثأر من نتنياهو

قبل أن يعلق العمل بمرسوم التعريفة الجمركية التي فرضها في 2 إبريل/ نيسان الحالي على واردات بلاده من دول العالم المختلفة لمدة 90 يوما، صدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرتين: الأولى بفرضه رسومًا بنسبة 17% على المنتجات الواردة من إسرائيل، والثانية عندما رفض طلبه بإلغائها أو تخفيضها للحد الأدنى 10% وهو يعلم أنه سيصدر قرارا بتجميدها بعد أيام.
لم يقصد ترامب الإضرار باقتصاد إسرائيل، فهو يعلن دوما أنه أكثر رؤساء الولايات المتحدة دعما لها، ويفخر بأنه أكثرهم شعبية في إسرائيل. وفي ولايته الأولى، نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس واعتبرها العاصمة الأبدية للشعب اليهودي، واعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة منذ سنة 1967، وهندس صفقة القرن لدمج إسرائيل في محيطها العربي الرافض لوجودها، وهي قرارات لم يجرؤ رئيس أمريكي قبله على إنفاذها.
اقرأ أيضا
list of 4 items“صنع الله إبراهيم” الكتابة على دقات الحروف وصوت المذياع
وداعا محمد حلمي القاعود.. صاحب القلم الهادئ والفكر الصاخب
حتى تكتمل فرحتنا بنجاح البلشي
وبقرارات الرسوم الجمركية أراد ترامب إهانة نتنياهو عمدا. ففي مقال في جيروزالم بوست الإسرائيلية بعنوان “الإذلال الثلاثي لنتنياهو: الرسوم الجمركية، وإيران، وأردوغان” علق ميمي بير على لقاء الزعيمين في البيت الأبيض بقوله إن نتنياهو تلقى ضربة ثلاثية مهينة وغير مسبوقة من الرئيس ترامب، فانطلق من المجر، بعد لقاء صديقه فيكتور أوربان، مُتباهيًا ومتفاخرا بغروره المعهود، وأعلن أنه سيكون أول زعيم عالمي يلتقي ترامب بعد فرض الرسوم الجمركية للتفاوض بشأنها، ووضع اللمسات الأخيرة لضرب إيران، حيث يتظاهر بأنه المدافع البطل عن إسرائيل ضد التهديد الإيراني الذي أرعب به الشعب الإسرائيلي، وأردوغان، الرئيس التركي المعروف بكرهه الشديد لإسرائيل، المدفوع بتعصب ديني ومعاداة سامية إسلامية راسخة، ويحتضن بحفاوة إرهابيي حماس، ويستضيفهم في أنقرة كضيوف شرف، وينتهز كل فرصة لبثّ سمومه في وجه إسرائيل ويتدخل بقوة في سوريا.
لقد خسر نتنياهو تماما قضايا الرسوم الجمركية، يقول بير، وأعلن ترامب أنه سيتفاوض مباشرة مع إيران، وخلال بث مباشر، وبجانبه نتنياهو، أشاد ترامب بصداقته العميقة مع أردوغان، فكانت لحظة يصعب تصديقها، يقول بير، تخيلوا الفيديو الذي كان نتنياهو، زعيم المعارضة آنذاك، سينشره لو حدث هذا لرئيس الوزراء أفيغدور ليبرمان، أو غانتس، أو بينيت: “اليوم، أُهين رئيس وزراء إسرائيل علنًا على يد أعظم حلفاء إسرائيل، الرئيس ترامب، هذا ما كان ليحدث لي أبدًا. هذه ضربة موجعة للأمن القومي سببها ضعف رئيس وزرائنا وتقصيره. أدعوه من القدس إلى استغلال رحلة عودته لكتابة رسالة استقالة واعتذار لمواطني إسرائيل والدعوة إلى انتخابات فورية”.
حيلة نتنياهو الماكرة
في محاولة لاستباق قرار ترامب، اعتمد نتنياهو قرارا بإلغاء كل الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية الواردة لإسرائيل. وهي محاولة ماكرة من نتنياهو الذي يوصف بأنه أكثر رؤساء وزراء إسرائيل دهاء وأطولهم في السلطة. فاحتفى واحتفل بالقرار مع وزير المالية اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الاقتصاد والصناعة عضو الكنيست نير بركات. وحاول نتنياهو استغلال القرار بضرب عصفورين بحجر، الأول هو التودد للجمهور الإسرائيلي الغاضب عليه بسبب استمرار الحرب وإهمال ملف الأسرى لدى حركة حماس وغياب الأمن وزيادة البطالة وغلاء المعيشة الناتجة عن استمرار الحرب، فأصدر بيانا اعتبر فيه أن إلغاء حكومته الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية هي خطوة ضمن السياسة التي ينتهجها من خلال رئاسته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مدار العقد الماضي لتحقيق رفاهة المواطن الإسرائيلي وخفض تكلفة المعيشة بفتح السوق لدخول السلع بأقل تكلفة.
والثاني، هو التودد للرئيس الأمريكي، بفتح السوق الإسرائيلي أمام البضائع الأمريكية، ودعم سياسته الرامية للنهوض بالاقتصاد الأمريكي وزيادة فرص العمل والحرص على مصالح الشريك الأمريكي، أقرب وأقوى الحلفاء. لكن إدارة ترامب لم تلتفت لمحاولة نتنياهو الماكرة للالتفاف على السياسة الأمريكية الجديدة، فهي تدرك أن 99% من المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل معفاة بالفعل من الرسوم الجمركية بموجب اتفاقية التجارة الحرة المبرمة بينهما منذ سنة 1985، وهي الاتفاقية التي حققت فائضا ومكاسب ضخمة لصالح المنتجات الإسرائيلية على حساب الاقتصاد الأمريكي الذي يحاول ترامب تحريره وإقالة عثرته المزمنة، لذا ضربت بالقرار الإسرائيلي عرض الحائط.
ترامب يصدم نتنياهو
ذهب ترامب إلى أبعد من تجاهل قرار نتنياهو، وصدمه بفرض رسوم جمركية على المنتجات الإسرائيلية بنسبة تزيد على 7% عن المعدل الأساسي للتعريفة الجمركية، والذي طبق على دول أخرى بينها مصر والسعودية والإمارات، ودول أخرى أقل استراتيجية من إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة، ومنها دول منخرطة بالفعل في حرب مع إسرائيل، مثل إيران واليمن ولبنان. وهو ما جعل من نتنياهو مادة للسخرية والتندر الإعلامي من خبراء الاقتصاد والتجارة وأرباب رأس المال في إسرائيل وخارجها، وأجمعوا على أن نتنياهو فشل في الحصول على إعفاء من الرسوم الجمركية، وعندما طلب تخفيضها من ترامب الذي يتباهى بصداقته، رفض ترامب وقرعه بقوله: لا تنسوا أننا نساعد إسرائيل كثيرًا ونمنحها 4 مليارات دولار سنويًا، وهذا رقم كبير.
غطت صحيفة هآرتس العبرية اللقاء بمقال بعنوان “ترامب يحبط حيل نتنياهو”، ذكرت فيه أن نتنياهو وصل إلى البيت الأبيض مرتديًا بدلة وربطة عنق، ولم يُعانِ الإذلال الذي تلقاه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل أسابيع، لكن ما واجهه نتنياهو لم يكن بعيدًا في جوهره عن المعاملة التي تلقاها نظيره الأوكراني من الرئيس ترامب. وعلقت مجلة الإيكونوميست البريطانية على اللقاء بالقول إن معضلة ترامب هي الاختيار بين نتنياهو أو إسرائيل، فهما كيانان متعارضان وعدوان. بمعنى أن ترامب يرى أن نتنياهو يعمل لمصلحته السياسية على حساب إسرائيل.
ترامب يثأر من نتنياهو
عقب هجوم السابع من أكتوبر وأثناء الدعاية لانتخابات 2024، انتقد ترامب نتنياهو، واتهمه بالتقصير في الاستعداد للهجوم الذي أطلقته حركة حماس، وأشاد بذكاء حزب الله، ووصف وزير الدفاع يوآف غالانت بأنه أحمق. وتسببت هذه التصريحات بحرج كبير لنتنياهو في مطلع الحرب، حيث ينتظر الدعم وليس التوبيخ. وقبيل توليه الحكم رسميا وأثناء مشاركة مبعوثه للشرق الأوسط، ستيفن وايتكوف، في مفاوضات لوقف الحرب في غزة، نشر ترامب مقطع فيديو للخبير الاقتصادي اليهودي الأمريكي جيفري ساكس على منصته للتواصل الاجتماعي “تروث سوشيال”، يشتم فيه نتنياهو بألفاظ نابيه ويتهمه بأنه جر الولايات المتحدة إلى الحروب في الشرق الأوسط. وكان ذلك بمثابة ضغط على نتنياهو للانخراط بجدية في مفاوضات وقف الحرب.
وبحثا عن السر في تعمد ترامب إهانة نتنياهو، كشف الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد، وهو محلل سياسي في شبكة سي إن إن والقناة 13 الإخبارية الإسرائيلية وخدم في الجيش الإسرائيلي كضابط مخابرات في الوحدة 8200، خلال مقابلة مع ترامب لكتابه “سلام ترامب: اتفاقيات إبراهيم وإعادة تشكيل الشرق الأوسط” عن أن القشة الأخيرة بالنسبة لترامب كانت عندما هنأ نتنياهو الرئيس المنتخب جو بايدن على فوزه في انتخابات 2020 بينما كان ترامب لا يزال يشكك في النتيجة. فقال ترامب إن أول من هنأ بايدن كان بيبي نتنياهو، “الرجل الذي قدمت له أكثر من أي شخص آخر تعاملت معه، لقد ارتكب خطأ فادحا”. وأكد أنه من أجله انسحب من الاتفاق النووي مع إيران، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأبقى القوات الأميركية في المنطقة. واعترف بمرتفعات الجولان المحتلة كجزء من إسرائيل “قُبيل الانتخابات مباشرةً” في إبريل/نيسان 2019، عندما كان نتنياهو متأخرًا في استطلاعات الرأي، وأنه “لولا دعمي، لخسر الانتخابات”. لك سر تعمد ترامب إهانة نتنياهو، رغم تفانيه في دعم إسرائيل.