“ابتهال أبو السعد” المغربية التي قررت ألا تكون “مصطفى”!

المغربية "ابتهال أبو السعد" صاحبة الموقف الشجاع (منصات التواصل)

لا أدري كيف خطت الفتاة العشرينية إلى داخل احتفال إحدى أهم الشركات الأمريكية وقررت أن تواجه طوفان وهيمنة الشركة الكبرى التي تسيطر على عالم كامل بمنتجاتها المذهل؟ وكيف استطاعت هذه المغربية الصغيرة أن تملك القدرة على المواجهة والتضحية التي لا يقدر الملايين عليها، بل مئات الملايين من أبناء أمتنا العربية والإسلامية؟ ولما لم تفكر كما فكر القابعون في دار الإفتاء المصرية الذين يتمتعون بكل المزايا سوء تحدثوا أو لم يتحدثوا؟

كأن هذه الفتاة العربية التي تنتمي إلى المملكة المغربية تجعل الجميع يخجل مما يقول ويفتي ويشيع جوا من الهزيمة والمذلة والانكسار في أمة المليارين. كيف لها أن تتفوق على أصحاب اللحى الذين لم يخجلوا حينما يطالبون المجرم بالإمعان في قتله ويلقون اللوم على الضحية؟ ويخرج علينا أحدهم ليقول إن المقاومة وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) لم تستشر أحدا في طوفان الأقصى. وما أقسى أن يخرج صاحب لحية في وقت يتم ذبح وحرق الأطفال والنساء والرجال في غزة ليقول هذا العار؟ أي دم يجري في عروقهم؟ هؤلاء الذين كان الصمت أفضل لهم وللأمة التي يتحدثون باسمها، والإسلام الذي يفتون تحت رايته ويتحصلون على الآلاف وربما الملايين من فتاواهم ومن تجارتهم به.

بنت المغرب الملهمة

الموقف الذي قامت به بنت المغرب جعلنا جميعا نشعر بالخجل أمامها، وجعل عقولنا وأجسادنا وقلوبنا تصغر لحد التلاشي من العار الذي يلحق بنا حين نفكر آلاف المرات قبل أن ننطق بكلمة، وإذ بهذه الفتاة البطلة تقذف في وجوهنا جميعا “أنتم لا شيء” لا تستحقون الحياة ولا ملامح الرجال على وجوهكم وهذه الشوارب واللحى التي تغطيها هي لا شيء”.

ابتهال أبو السعد: هذه الاسم الذي يعبر عن مناجاة الجميع إلى الله (ابتهال). الجميع يتطلع إلى المناجاة والابتهال إلى الله أن يتقبل منا ما نحسن من أعمال، وإذ بابنة أبو السعد تجعل من اسمها أيقونة عربية، وإسلامية، بل عالمية لنتمنى جميعا نحن العاجزين المقهورين أن نكون ولمدة دقيقة واحدة مثلها مثل: ابتهال المبتهلة إلى الله والدين والإنسانية بهذا الموقف الذي لا يقدر عليه الرجال.

نفكر ألف مرة كل لحظة ماذا سيحدث لنا إذا قررنا أن ننطلق لنعبر هما بداخلنا تجاه هؤلاء الصامتين أمام المحرقة اليومية. لقد شهدت العشرين يوما السابقة جديدا في إبادة الكيان الصهيوني لأهلنا في غزة، فلم تعد الواقع مجزرة بل صارت محرقة، أمدت أمريكا الجيش الصهيوني بأسلحة متطورة جديدة تنقل الحالة من المجزرة إلى المحرقة الدائمة.

أصبحنا نشاهد أجساد الشهداء الأبطال من أهل غزة وهي تحترق أمامنا، وأصبحنا نشاهد الأسلحة تفتك بالأطفال والنساء والرجال فتتحول أجسادهم إلى أشلاء قطعا متناثرة، ولا نملك من العجز والمذلة والعار إلا مصمصة الشفاء والالتصاق بالأرض خجلا من هواننا على أنفسنا، ومن ثم هواننا على الأعداء، ويا ليتنا نشعر بالخجل ونصرخ، بل ننغمس في الحياة مطعما ومشربا وملبسا، ونتوارى من أمام مشاهد حرقنا التي تتم في غزة.

الملايين من الشباب العربي والمسلم يفكر آلاف المرات قبل أن يصرخ أو يهمس بكلمة حق عند سلطان جائر، وهذا السلطان قد لا يكون رئيسا أو قائدا حربيا، فربما كان وزيرا مطعونا في كفاءته فنموت رعبا بالسكتة القلبية لأنه طلب منا أن نقابله في مكتبه. هذه حالتنا أمام أحد السلاطين لا نستطيع مواجهته، ولم نفكر ما نهاية المقابلة هل سنجازي؟ هل نفصل من عملنا؟ وما المشكلة لكنه الرعب الذي يملأ القلوب. فكيف نقارن فعل المبتهلة ابتهال بأفعالنا؟ ألم أقل إن الرعب يحيط بنا من مجرد القيام بتظاهرة تضامنية نطالب فيها بإيقاف الإبادة والمحرقة الدائرة في كافة مدن وأحياء غزة، أي عار هذا الذي نلتحف به وننام ليلا؟

لا تساوم ولو منحوك الذهب

ابتهال أبو السعد الاسم الذي يجب أن نحفظه في العقل والوجدان المهندسة المتميزة والناجحة التي تعمل في شركة يتمنى الملايين أن يدخلوا إلى مبناها للزيارة والتعرف عليها، المهندسة التي ينتظرها مستقبل مبهر كإحدى نوابغ البرمجيات في العالم لم تفكر في المستقبل، لم تر أحلامها أمام آلاف الأحلام التي تقتل في غزة وتحرق.

لم تنظر إلى أنها بعد تلك اللحظة انقطعت علاقتها بعملها ومستقبلها في الشركة وربما بمعظم شركات الولايات المتحدة الأمريكية، لقد اتخذت قرارها أن تدفع من مستقبلها ما يرضي ضميرها ويريح قلبها لتقف أمام مدير الشركة لتقول له ولكل موظف لديه، ولأصحابها ورؤسائها أنتم قتلة، أنتم تدعمون المذبحة والمحرقة في غزة، أياديكم ملوثة بالدم الفلسطيني ودماء أطفال غزة، أنتم شركاء الكيان يا مصطفى عليك أن تخجل.

وهل يخجل مصطفى؟ وهل يخجل الملايين من أمثاله في كل أرجاء الأمة العربية والإسلامية. ويا للمفارقة مصطفى هذا من سوريا، هو سوري وعربي ومسلم والأكيد أنه قد تحصل على ملايين الدولارات طوال مشواره مع الشركة، وبالتأكيد لديه ما يجعله يستطيع أن يتقدم باستقالته حتى لا يشارك في محرقة إخوانه في غزة، ولكن ليس مصطفى كابتهال أبو السعد، فمصطفى لا يخجل بينما ابتهال الفتاة الشابة تشعر بالعار لأنها تعمل في شركة تمد الكيان الصهيوني بمعلومات تساهم في قتل أطفال ونساء غزة، فكيف لمصطفى هذا أن يكون مثل ابتهال، وعلينا جميعا أن نختار إما أن نكون ابتهال، أو نكون مصطفى.

مهندسة البرمجيات خريجة هارفارد التي تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل حلم الملايين من الشباب العربي والمسلم، تعمل في مايكروسوفت بمرتب يحلم به أيضا الملايين، ناجحة متميزة لكنها قررت ألا تكون مصطفى وألا تكون كل هؤلاء الذين يحسبون ثمن الكلمة قبل أن تخرج من الفم. ابتهال أعطت درسها لنا جميعا، لا شيء يساوى أن تخجل من نفسك أمام المرآة، لا تحسبها آلاف المرات، لا تنافق حاكما، سلطانا، ملكا، لا تشترى بالدنيا الآخرة.

لا تساوم ولو منحوك الذهب، فما بالك إن كنت لا تمنح سوى حياة ذليلة وخوف ورعب، ماذا يتبقى لك هل أقنعت نفسك أنك تعتني بأطفالك وزوجك؟ فماذا إذا كانوا هم في الغد أهداف الطيران الحربي الصهيوني؟ هل هناك ضمانة ألا يحدث؟

لا أظن إذن لا تكن مصطفى، ولا تقرأ بيان دار الإفتاء المصرية، ولا تسمع فتاوى لشيوخ يقنعونك بالمذلة، والخنوع، ولا يسمعون صراخات المسلمات حين يصرخون والمحارق تحيط بهم “وامعتصماه” وإسلاماه، حتى أن النداء الأخير أطلقته طبيبة فلسطينية لنساء الأمة بعد أن خذلها رجالها، نعم لديها الحق ألم تكن ابتهال أبو السعد أفضل ملايين المرات من كل مصطفى على أرض أمة العرب والإسلام.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان