قضية “ياسين طفل دمنهور”.. المُحاكمة في جلسة واحدة.. لماذا؟

في محاكمة سريعة، استغرقت جلسة واحدة، استمرت لنحو ست ساعات، أسدلت محكمة جنايات مصرية الستار على الفصل الأول من قضية طفل دمنهور (ياسين – 5 سنوات)، التي شغلت المصريين جميعا (من عوامّ ونُخب)، واستحوذت -بلا مُنافس- على اهتمام وسائل الإعلام المصرية، وصفحات التواصل الاجتماعي طوال الأيام القليلة الماضية. فقد أصدرت المحكمة (دائرة جنايات مركز دمنهور)، برئاسة المستشار شريف كامل، حُكمًا بالسجن المؤبد على المتهم (صبري – 79 سنة)، بهتك عرض الطفل، داخل مدرسة خاصة للغات بمدينة دمنهور.
مسلسل لام شمسية.. والسجن المؤبد
من المفارقات أن شهر رمضان الماضي، شهد عرضا لمسلسل “لام شمسية” التلفزيوني، الذي يقرع أجراس الخطر حول قضية التحرش الجنسي بالأطفال. مع اختلاف التفاصيل، فالتشابه يجمع بين المسلسل، وأحداث قضية ياسين (طفل دمنهور). قصة لام شمسية، تدور حول معلمة (الممثلة أمينة خليل)، بمدرسة دولية، تكتشف أن عددا من أطفال المدرسة، تعرضوا للتحرش الجنسي، بما يترتب عليه من آلام نفسية، وهو استلزم منها دعما للأطفال، وجلب لها مشكلات كادت تهدم حياتها.
ينتهي المسلسل، بإدانة وسام الألفي (الممثل محمد شاهين)، بتهمة التحرش وهتك عرض الطفل “يوسف” ابن صديقه، بعدما أوهمه بأنها لعبة سر لا ينبغي له إخبار والديه بها. لاحظت المعلمة اضطراب سلوكيات يوسف (ابن زوجها)، وعرفت منه ما يجري له من تحرش. تطورت أحداث المسلسل، لينتهي بالحُكم على وسام بنفس العقوبة الصادرة أمس، ضد الجاني (صبري)، المُدان بهتك عرض ياسين، وهي السجن المؤبد. المسلسل، مكون من 15 حلقة، وهو من تأليف مريم نعوم، وإخراج كريم الشناوي، وشارك في بطولته أحمد السعدني وآخرون.
قصة هتك العرض لطفل دمنهور
بدأت وقائع قصة طفل دمنهور المجني عليه (ياسين)، ببلاغ تلقته نيابة مركز دمنهور (13 /2/ 2024)، من والد الطفل المجني عليه يتهم فيه مراقب حسابات المدرسة (صبري)، بهتك عرض نجله، والاعتداء عليه جنسيا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمن يُشعل النيران في الشرق الأوسط؟ قراءة في مصادر الصراع
علمانية الطوائف السورية
طلقات حاخام: القومية نزعة شريرة والصهيونية “أخلاقية”
وقالت والدته أمام النيابة -التي باشرت التحقيق- إنها لاحظت وجود آثار إصابات على جسد الطفل في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، وإنها علمت من ابنها اعتداء أحد الأشخاص عليه، داخل حمام المدرسة، وإنه تعرف على هذا الشخص من مجموعة صور خاصة بالمدرسة على منصات التواصل.
لجأت الأم، إلى أحد الأطباء للكشف عليه، فأكد لها وقوع اعتداء جنسي على الطفل مرات عديدة. واستطردت الأم بأنها عندما ذهبت صحبة طفلها إلى المدرسة، أشار إلى موظفة (دادة) على علم بما حدث له (كانت تساعد الجاني في جريمته).
عودة الأب.. وتقرير الطبيب الشرعي
اتصلت الأم بزوجها والد ياسين، في دولة الإمارات، وأبلغته بالواقعة فعاد إلى البلاد، وبمراجعة طبيب آخر، تأكد وقوع الاعتداء الجنسي على الطفل. استمعت النيابة إلى عدد من العاملين بالمدرسة، وتلقت تحريات المباحث، التي لم تؤكد ولم تنف الاعتداء الجنسي على الطفل.
وأفاد التقرير الطبي الشرعي بوجود “اتساع بفتحة الشرج”، من الجائز أن ينتُج عن الإيلاج المتكرر في الدبر، إلا أنه لا يقطع بحدوث ذلك، منوهًا إلى أن الاحتكاك الجنسي الخارجي قد لا يترك آثارًا، وأن الأمر مرجعه إلى ما تُسفر عنه التحقيقات.
في أقواله، أنكر المتهم الواقعة المنسوبة إليه. أحالت النيابة المتهم (صبري) إلى محكمة الجنايات، متهمًا بهتك عرض ياسين “بغير قوة”. وفي جلستها أمس (الأربعاء)، عدَّلت “المحكمة” التكييف للتهمة ليكون هتك عرض الطفل بـ”القوة تحت التهديد”. وذلك استنادًا إلى قانون الإجراءات الجنائية (مادة 308)، الذي يمنحها هذه الصلاحية بالتعديل، مع وجوب تنبيه المتهم إلى التعديل، ومنحه أجلا لتحضير دفاعه بناء على الوصف الجديد المُعدّل للتهمة.
المُحاكمة في جلسة واحدة.. لماذا؟
كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي، أزعجهم صدور الحكم بالإدانة في أول جلسة، لكن القضاء الجنائي معروف بسرعة الفصل في الدعاوى.
فأعضاء المحكمة (ثلاثة قضاة كبار) يأتون إلى الجلسة وقد اطلعوا على أوراق القضية وقرؤوها ودرسوها؛ فتتكون لديهم خلفية كاملة بالقضية، ومن ثم فلا جناح على المحكمة، ولا لوم، إن حكمت من أول جلسة، فليس في القانون ما يمنعها، فالقاضي الجنائي يحكم وفقا للعقيدة والاقتناع التي تكون لديه من مجمل الوقائع والأوراق والملابسات، وما تم تناوله بالجلسات.
وقد استمعت المحكمة إلى المتهم مُنكرا التهمة، متعللا بسنه الكبير، ومرض القلب. وترافع محاميه نافيا عنه التهمة، وكذا استمعت المحكمة إلى دفاع المجني عليه (ياسين). وروت الأم القصة للمحكمة بحضور طفلها الذي ظهر مرتديا ملابس شخصية “سبايدر مان” الشهير (للتخفي)، والشعور بالبطولة.
الحكم بالسجن المؤبد على “الجاني” ليس نهائيًّا، فله حق استئناف الحكم الصادر عليه، خلال 40 يوما، ليُحاكم أمام دائرة أخرى (جنايات مُستأنف). كما أنه في حال التضرر من الحكم المُستأنف يمكنه اللجوء إلى محكمة النقض بالطعن في الحكم.
التصالح العرفي.. وشذوذ عابر للأديان
من المُحزن، في قضية ياسين الانحراف إلى الطائفية من البعض، لكون الجاني مسيحيًّا، وكون الطفل المجني عليه مُسلمًا، في حين أن القضية هي أن شخصا هتكَ عرض طفل، ولا شأن لها بديانة المتهم أو الضحية. فـ”الشذوذ” عابر للأديان، ومرفوض منها جميعا.
فمثل هذه الواقعة، يمكن تكرارها في أي مدرسة أو منشأة. إلا أنه في كثير من الحالات للأسف، يتم تسوية القضية بالتصالح “عرفيا”، بعيدا عن أسماع المجتمع، وأعين القانون. وهو ما كاد يحدث في قضية ياسين لولا أن أسرة ياسين رفضت التعاطي العرفي مع القضية، وأصرت على المضي في الطريق إلى نهايته، ليأخذ “القانون”، مجراه. فلا يزال الكثيرون يخشون الإبلاغ رسميا عن حالات هتك عرض طفل أو اغتصاب أنثى خشية الفضيحة، والنبذ الاجتماعي. هذا السلوك (الحل العرفي)، هو المستحق للرفض والاستنكار، وليكن القانون حكما وأداة وحيدة للقصاص، بعيدا عن أي عوامل أخرى.