سميح القاسم.. ومساهمته في صمود غزة

لا يموت أبدًا من أخلص لقضيته، وتنفس حب وطنه طوال ثواني عمره وسنواته، وتحدى عدوّه بكل ما يملك.
سميح القاسم بذل شعره وعمره لفلسطين، وشارك بالكلمة في إيقاظ الهمم ورفض الخنوع والاستسلام للعدو، واليقين بحتمية الانتصار وزوال الاحتلال ولو بعد حين.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsفي المطار السوري رفضوا ختم جواز سفري لأنه مزور!
حديث القرآن عن ميراث البنات عند عدم وجود الأخ
من هم المقاتلون الأجانب الذين سيتم منحهم الجنسية السورية؟
الصمود الأسطوري لغزة وفلسطين قبل وبعد 7 أكتوبر لم ينشأ من فراغ، ولم يبدأ الاستعداد له قبله بسنوات؛ بل كان ثمرة لنضال طويل شارك فيه كل أبناء فلسطين بدءا من أطفال الحجارة وشعراء المقاومة ووصولًا لصانعي الصواريخ المحلية والمقاومين من كل الفصائل.
قوة وكرامة
نتفق مع الشاعر عبد الرحمن شكري القائل:
ألا يا طائر الفردوس
إن الشعر وجدان
والوجدان هو المشاعر والعواطف أي القوة الداخلية التي تقود الإنسان.
في 11 مايو/أيار 1939 كان ميلاد سميح القاسم، وفي 19 أغسطس/آب 2014 كان رحيل الجسد بعد حياة حقيقية نجح فيها في اختياراته؛ فانحاز إلى الوطن وجدد اختيار المقاومة قولًا وفعلًا بالشعر وبالمواقف السياسية، فاستحق البقاء ما دامت الحياة، فسميح من أهم شعراء فلسطين الذين عاشوا من أجل المقاومة.
كان سميح فلسطينيًّا حتى النخاع؛ تنفس كل تفاصيل الوجع الفلسطيني المتراكم منذ عشرات الأعوام، لم ينكره أو يقلل منه ولكنه لم يسمح له بالانتصار عليه، ودومًا كان يفتش عن مخرج محترم يواصل به حياته بعزة وكرامة، حتى لو كان أقل مما يستحق؛ فالأهم ألا يتنازل للعدو وألا يحرض غيره على ذلك بل كانت حياته نموذجًا لشاعر مقاوم بالفعل مع الكلام.
رفض الخضوع
قام سميح بالتدريس لأعوام، وقرر وزير المعارف الإسرائيلي طرده من العمل عقابًا له على نضاله بالشعر وبالسياسة ورفضه التحذيرات المتكررة والتهديدات التي حاصرته كما حاصرت كل من يرفع صوته ضد الاحتلال.
ولم ينحن لهم؛ ورحب بالطرد ولم يتراجع، وفضل العمل عاملًا ثم مساعدًا للحام كهربائي وعاملًا في محطة وقود، وأثبت أننا دائما نستطيع اختيار العزة ورفض الخضوع.
بعدها عمل بالصحافة سنوات، وحصل على جوائز عديدة؛ ربما أهمها حب واحترام الجميع له لاعتزازه بهويته ونضاله من أجلها.
بدأ مسيرته الإبداعية مبكرًا، فصدر أول ديوان له وهو في التاسعة عشرة ثم واصل مشوار الإبداع حتى رحيله.
دفع سميح ثمن مواقفه السياسية ونضاله بالشعر فاعتقله الصهاينة عدة مرات وفرضوا عليه الإقامة الجبرية.
أنشد:
بلاد الرعب أوطاني
من القاصي إلى الداني
ومن خوف إلى خطر
ومن منفى إلى الثاني
حروب ونزوح
الشعر مرآة المجتمع ويراكم أحلامه وأوجاعه، وقد جسد سميح القاسم ما تكابده فلسطين منذ النكبة بل وقبلها حيث بدأت عصابات الصهاينة الجرائم والمذابح.
يقول:
بلاد الحرب أوطاني
تدمر كل بنيان
توفي الأمن في وطني
وصار الموت مجاني
وكأنه يرى معنا ما نشاهده يوميًّا على الفضائيات من حروب متكررة على غزة والضفة وليس ما بعد 7 أكتوبر فقط وكأن المذابح بدأت بعد هذا اليوم.
رأينا مسنة غزّية ابتسمت قائلة: عمري أكبر من عمر إسرائيل؛ وُلدت قبل النكبة، ونزحت كثيرًا، وهذه أرضي ولن أتركها أنا وأحفادي وأولادهم، وسنحاربهم ونصبر وستعود لنا كما كانت من قبل الاحتلال.
يقول سميح:
بلاد الصبر أوطاني
وحال الناس أبكاني
فكم نزحوا وكم لجؤوا
وموت دون أكفان
يتميز شعر سميح القاسم بأنه بعد أن يرصد الوجع بمهارة؛ ينتفض رافضًا الخنوع ويهتف بشموخ عاشق للعزة ومن يتنفس الكرامة.
يقول:
للذي يصدم في الميدان دوري الفرح
للذي تقصف طياراته حلم الطفولة
فلماذا تأخذ الحلوى؟
وتعطينا القنابل
ولماذا تحمل اليتم لأطفال العرب؟
ألف “شكرًا”
بلغ الحزن بنا سن الرجولة
وعلينا أن نقاتل
توجد للمقاومة تعريفات كثيرة، والواقع أنها تجسد النبل تجاه الخسة، أي رفض كل احتلال أو محاولة فرض واقع مرفوض بالقوة واختيار الصمود أمامه رغم قلة الإمكانات، ورفض الاستسلام والتحلي بالرأس المرفوع دومًا، وتنمية الإرادة.
ويؤكد التاريخ قول تشرشل: إن الأمم التي تسقط وهي تقاتل تنهض مجددًا، والأمم التي تستسلم بخضوع تنتهي.
صوت وطنه
رأينا نساءً ورجالًا وأطفالًا يقفون بشموخ أمام بيوتهم المهدمة، وينتشلون أشلاء أحبائهم ويقولون بصلابة: لن نترك وطننا أبدًا، وفي أعينهم يقين بحتمية انتصارهم ولو بعد حين، وكأنه رأى مثلنا الطفل الذي فقد أسرته كلها ووقف أمام منزله المهدم وتحدى الصهاينة قائلًا: سنكسر خشمكم.
يذكروننا بقول سميح:
تقدموا
بناقلات جندكم
وراجمات حقدكم
وهددوا
ويتموا
وهدموا
لن تكسروا أعماقنا
لن تهزموا أشواقنا
نحن القضاء المبرم
الشاعر المقاوم هو صوت وطنه وضميره، والمعبر بصدق عن وجعه وحلمه، صبره، ومثابرته رغم قلة الزاد ومرارات الخذلان من العالم.
يعيش رافعًا رأسه
الشاعر المقاوم يتغذى استمراره من تشبثه بالأرض، وليس من نتائج ما يحدث بعد دفع الأثمان الباهظة، ويتنفس أنه سيجد ما يرضيه ويهون عليه كل الأوجاع ويعيش رافعًا رأسه ويموت راضيًا عن نفسه، ويسلم الراية بثقة في الغد وفيمن يحمل الراية.
أنشد سميح:
منتصب القامة أمشي
مرفوع القامة أمشي
في كفي قصفة زيتون
وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي وأنا أمشي
جسد سميح معاناة الفلسطينيين تحت وطأة الاحتلال، ونقلها إلى العالم بقلب شاعر، ووعي مناضل وعزيمة من لا يعرف الاستسلام، وليس بمن يرسخ الوجع وينشر اليأس، أو يبحث عن تعاطف أو شفقة؛ بل يتغنى بصمود شعبه مع قلة الإمكانات وتزايد وحشية الاحتلال على مر السنوات وكثرة داعميه، وتضاعف قوته العسكرية وزيادة سرقته للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.
يقول:
أنا ألقيت على سيارة الجيش الحجارة
أنا وزعت المناشير
وأعطيت الإشارة
أنا طرزت الشعار
ناقلًا كرسي والفرشاة
من حي.. لبيت.. لجداد
أنا جمعت الصغار
وحلفنا باغتراب اللاجئين
أن نكافح
طالما تلمع في شارعنا، سنجة فاتح.