عربات جدعون.. هل هي نهاية حماس؟!

الجيش الإسرائيلي وعدوان لا يتوقف (غيتي)

في ساعة مبكرة من صباح أمس (السبت)، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي، عملية عسكرية واسعة، أكثر شراسة، وإجراما على قطاع غزة، أسماها “عربات جدعون”، مواصلا المجازر، والمحارق التي لا تتوقف، بحق السكان، طوال 585 يوما. العملية استبقت، بساعات قليلة، القمة العربية رقم 34، التي انعقدت في اليوم نفسه بالعاصمة العراقية بغداد. وهي القمة التي غاب عنها 17 رئيسا، وملكا، من بين قادة 22 دولة عربية، ليكشف هذا الغياب، تدني مكانة قضايا الساعة، لدى القادة الغائبين. بما في ذلك الإبادة الجماعية الجارية للشعب الفلسطيني في غزة رغم أهمية ومركزية القضية الفلسطينية لدى الشعوب العربية والإسلامية.

بغداد ليست استثناءً

“عربات جدعون”، في تزامنها مع قمة بغداد، تُعد تأكيدا إسرائيليا، لما هو مؤكد، بأنها لا تقيم وزنا للعرب، ولا قمم قادتهم، التي لا تعني شيئا للمواطن العربي. فالنتائج لهذه القمم، صفرية منعدمة القيمة، والتأثير، والفعالية. و”قراراتها” لا تساوي الوقت الضائع في صياغتها، فآليات تنفيذها غائبة. “قمة بغداد” ليست استثناءً، شأنها شأن القمم العربية والإسلامية التي سبقتها طوال أربعة أو خمسة عقود مضت. لا يؤمل منها شيء ذو قيمة في أي قضية عربية أو إسلامية. فلا جدوى، ولا فائدة تُرتجى منها، لغزة التي تُباد، ولو قليل من الطحين، ولا للبنان الذي تسرح فيه إسرائيل وتمرح انتهاكا لسيادته يوميا، وكذا الحال مع سوريا. قمة بغداد، ليست موضوعنا.

مقولة السادات وزمن الهوان العربي

في عقود ومراحل زمنية سابقة، كنا ننتظر بفارغ الصبر، البيانات التي تُصدرها، مثل هذه القمم. لتشفي غليلنا، عوضا عن القهر الذي تعيشه شعوبنا بفعل الاستبداد الذي يسكن بلداننا ويتحكم فيها. بيانات القمم في حالات أقل تأزما، مما يجري الآن؛ كانت شديدة اللهجة، والخشونة.. مُصاغة في عبارات رنانة، بمفردات قوية، رفضا، وشجبا، وإدانةً، واستنكارا بشدة، وتنديدا، وتحذيرا صارما من العواقب الوخيمة، لما هو مرفوض عربيا. صحيح أنها محدودة النتائج، واقعيا، وعمليا.. لكنها تُعبر عما يجيش بالصدور. الآن، نشتهي مثل هذه البيانات، ولا ننالها، فلم يعُد يتوفر للعرب، وقممهم، الجرأة على مُحاكاتها. فقد غلبت على بياناتهم النعومة والليونة انعكاسا لـ”زمن الهوان العربي” الذي دشنه الرئيس المصري الراحل أنور السادات (1970 – 1981م)، بـ “مقولته الشهيرة”، عقب حرب أكتوبر (1973م)، التي انتصرت فيها مصر على إسرائيل، بأن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا.

ترحيل السكان إلى رفح

بالعودة إلى عملية “عربات جدعون” العسكرية، لتكثيف الضربات على قطاع غزة، إيغالا في القتل والحرق والتدمير، فالمُسمى، له أصل ديني في التوراة (أقدس الكتب لدى الديانة اليهودية). وجدعون شخصية توراتية ورد ذكره في “سفر القضاة”، حكم بني إسرائيل، وقاد جيشا صغيرا وانتصر بمعونة الرب -حسب رواية التوراة- على الأعداء (قوم المديانيين)، الذين كانوا يمتلكون جيشا أكبر بكثير. استحضار “جدعون”، إسرائيليا، هو لإضفاء الطابع الديني، والقداسة على العملية، والإيحاء بأنها ستُكلل بالنصر الإلهي. أما “العربات”، فهي تشير إلى المدرعات. وفقا لجيش الاحتلال، وما نشرته وسائل إعلام عبرية وازنة، فالعملية تستغرق عدة أشهر. وتشمل دخولا بريا، واحتلالا تدريجيا لمناطق عديدة، والسيطرة عليها، وإجلاءً لغالبية سكان القطاع، وترحيلهم إلى منطقة رفح جنوبا، وإنشاء مناطق عازلة. استهدافا لهدم الأنفاق بشكل كامل، وتحرير الأسرى الإسرائيليين، وهزيمة حركة حماس، وتدمير البنية العسكرية لها باحتلال كل القطاع لأشهر. مشكلة الاحتلال الإسرائيلي أن غطرسة القوة التي يمتلكها؛ تمنعه من إدراك الفشل الذريع الذي لحق بجيشه، في حربه الوحشية المستمرة منذ 19 شهرا على غزة.. رغم كل الدمار، والقتل، والإجرام، الذي ارتكبه دون تحقيق أهدافه.

الجيوش لا تهزم المقاومة

ما الجديد، كي يُعيد الاحتلال، إنتاج نفس الأهداف لتكون مُحركا، ودافعا، لعمليته (عربات جدعون)؟ هل نجح من قبل، في تحرير أسراه في غزة، تحت الضغط العسكري؟ لم يحدث ذلك إلا في حالات نادرة، وبتكلفة بشرية باهظة في صفوفه. إذا كان “جيش الاحتلال”، في بيانه المُبشر، بعربات جدعون؛ يتشدق بأنه يستهدف “هزيمة حماس”، فهذا يعني بمفهوم المخالفة، إعلانا منه، بأن حركة حماس لم تُهزم. وما دام، قد فشل في تدميرها وهزيمتها، طوال ما مضى من حرب الإبادة، فلماذا يتوقع هزيمتها هذه المرة؟

الإسرائيليون، لا يفهمون، ولا يستوعبون، قاعدة، ثابتة الصحة؛ بأنه ليس هناك جيش في العالم، يمكنه هزيمة المقاومة، التي تتصدى له دفاعا عن الأرض، والكرامة الوطنية. فالتاريخ (البعيد والقريب)، يخبرنا بأمثلة كثيرة على هزيمة المُحتل في النهاية، بأيدي المقاومة. فقد هُزمت أمريكا في فيتنام وأفغانستان، مثلما حدث لفرنسا في الجزائر، وإيطاليا في ليبيا، وغير ذلك مما لا يتسع المقام لسرده. فالمقاومة، فكرة، وروح، وعقيدة راسخة، وإيمان بحتميتها، وجدواها.

شاهد من أهلها

في حالات المقاومة الفلسطينية (حماس، والجهاد الإسلامي)، واللبنانية (حزب الله)، واليمنية (أنصار الله)، ففكرة المقاومة نابعة من عقيدة دينية، ترفع الاستشهاد، غايةً أسمى، ومُعادلا للنصر.

قد تخسر المقاومة معركة، أو أكثر من جولات الصراع، لكنها تنتصر في النهاية.

على كل حال، فالقضية للمقاوم الغزّي، يلخصها شعار: “إنه لجهاد.. نصر، أو استشهاد”، الذي رفعه العالم والداعية المجاهد السوري الشهيد عز الدين القسام (1882- 1935م)، الذي يتخذه الجناح العسكري لحركة حماس، قدوةً، واسما (كتائب القسام). القسام استشهد في فلسطين، مع آخرين، مقاتلا للإنجليز، والصهاينة. ونختم، بشاهد من أهلها، فالباحثة الإسرائيلية نعومي نيومان، التي سبقت لها رئاسة قسم الأبحاث بوكالة الأمن الإسرائيلية، تؤكد، أن عربات جدعون لن تجدي نفعا مع حماس، فقد تؤدي إلى إضعاف قدراتها، لكنها لن تدفعها إلى الاستسلام، بل إن إطالة أمد احتلال لغزة، توفر لها فرصة جيدة، لتعزيز قوتها وشعبيتها.

نسأل الله النصر للشعب الفلسطيني ومقاومته على الهمج والنازيين الجُدد، أعداء الإنسانية.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان