عندما يُصبح التعليم تجارةً .. فلا تُذْهل من المعركة حول مليارات “ماما نوال”!

ليس هدف هذا المقال الانشغال بثروة نوال الدجوي، رائدة التعليم الخاص بمصر، وصاحبة مدارس، وجامعة كبيرة تعمل في هذا المجال.
والطلاب وهيئة التدريس والعاملون في مؤسستها التعليمية، ينادونها “ماما نوال”، تقديراً لدورها التربوي وسنها (88 عاماً).
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل انتهى المشروع النووي الإيراني إلى غير رجعة؟
الضربة النووية بين استعراض ترامب والتهوين الإيراني
فخ التدخل الأمريكي.. يطفئ الحرب أم يشعل العالم؟
وبالمناسبة، الألمان يُنادون أنجيلا ميركل المستشارة السابقة بـ “ماما ميركل” محبة فيها، فقد دفعت بلادهم للأمام، وجعلت الاقتصاد مزدهراً، ويُذكر لها قرارها الإنساني بفتح حدود ألمانيا عام 2015 لنحو مليون سوري مشرد أغلقت دول أوروبية عدة أبوابها في وجوههم.
تاريخ مؤلم
19 مايو 2025، بداية تاريخ مؤلم في حياة عائلة نوال الدجوي، ففي هذا اليوم نٌشر خبر بشأن سرقة فيلا لها، وحصيلة المسروقات من خزائن بالفيلا نحو 300 مليون جنيه، فالمسروقات تشمل؛ 50 مليون جنيه، و 3 ملايين دولار، و 350 ألف جنيه إسترليني، و 15 كيلو غرام مشغولات ذهبية.
وصُفت خزائن المال المسروق بأنها بنك خاص، أو مغارة علي بابا، وثارت تساؤلات وكتابات عن هذا المال، ولماذا الاحتفاظ به في البيت؟، ومن الذي سرقه؟، وهناك من اعتبره ثروة ضخمة، وكنت أدرك أنه مجرد نقطة في بحر أموال لدى هذه السيدة وعائلتها.
إذ إن تاريخها طويل في التعليم الخاص حيث بدأ عام 1958 بتأسيس مدرسة خاصة لغات في حي الزمالك الراقي، وكانت أول مدرسة لشخصية مصرية في هذا المجال، وكان عمرها حينئذ 21 عاماً، والمدرسة صار لها فروع في القاهرة الكبرى.
وفي 1996 أنشأت جامعة خاصة تضم 11 كليه لها شراكة مع جامعات بريطانية.
67 عاماً من التعليم الخاص؛ أساسي وجامعي، والمصروفات الدراسية السنوية ليست هينة، لايقدر على تسديدها إلا شرائح اجتماعية ثرية، وهذا يعني أن أموال وأصول نوال الدجوي وعائلتها ستكون ضخمة، وأكثر مما يتصور أحد، فالأراضي المقام عليها المدارس والجامعة والمنشآت قيمتها بالأسعار الحالية تبلغ مليارات كثيرة.
صراع عنيف
ومع تطورات بلاغ سرقة الخزائن بات يتكشف وجود صراع عنيف قديم بين أحفادها بشأن الثروة المليارية، هناك أكثر من 20 قضية متداولة في المحاكم بخصوص الميراث، بجانب قضية الحجر عليها لمنعها من التصرف في أموالها بيعاً وشراءً خشية أن توقع على أوراق ببيع أصول أو نقل أموال لهذا الطرف أو ذاك من الأحفاد.
وتم تداول كلام كثير عن حدوث ذلك بالفعل لحفيدتيها “ابنتي ابنتها الوحيدة المتوفية”، وبلغت دراما الصراع ذروتها بمقتل واحد من أحفادها الثلاثة “أبناء ولدها الوحيد المتوفى في” 25 مايو الماضي، وبيان وزارة الداخلية يقول إنه انتحر، بينما أشقائه يدّعون قتله من طرف ما على خلفية صراع ومعركة المال.
بداية مشروع التعليم الخاص
وفي شأن الثروة الضخمة فإن عائلة الدجوي لها ارتباط قديم بالجيش، فقد كان فيها عدد من الضباط الكبار؛ زوجها ضابط، وعمها الفريق فؤاد الدجوي الذي ترأس محكمة عسكرية في عهد عبدالناصر، وكان حاكماً لقطاع غزة حينما احتلته إسرائيل في حرب 1967، ووالدها كان وكيل وزارة بالتربية والتعليم، وغالباً سهل لها ذلك أن تبدأ مشروع التعليم الخاص عام 1958، وتوسع المشروع بمزيد من المدارس في أحياء قاهرية متميزة يتسم سكانها بالقدرة المالية، كما أن رسوم الدراسة في جامعتها الخاصة لايقدر على دفعها إلا الميسورون.
وليست نوال الدجوي وحدها في هذا المجال، وإن كانت هي أسبقهم، هناك سلاسل مدارس خاصة تمتلكها وتديرها سيدات، ويحققن عوائد مالية كبيرة منها، والإقبال عليها واسع خاصة مع تراجع مستوى التعليم الحكومي، وتحول المدارس إلى أماكن طاردة للطلاب حتى صارت خاوية، وبات المنتظمون فيها يتلقون دروسهم في مراكز تعليمية خاصة تسمى “سناتر” ويدفعون لكل حصة مقابلها المالي.
هنا تضطر العائلات الراغبة في مستوى تعليمي معقول لأولادهم، ولديها قدرة مالية، لالحاقهم بمدارس خاصة مقابل مصروفات دراسية مهولة.
ووالدة وزير التربية والتعليم الحالي تمتلك مدارس خاصة، وكان ابنها يديرها قبل توزيره، وتدور شكوك حول صحة الشهادات التعليمية التي يقول إنه حاصل عليها من الخارج.
ولم ينجح في إعادة المدرسة إلى سابق عهدها في التعليم، وفرض حضور وانتظام الطلاب فيها رغم التصريحات الكثيرة في هذا المجال، فالأزمة أصبحت أعمق وأكبر وأوسع مما يظن أحد.
مشروع قومي للتعليم
وإنقاذ التعليم يتطلب إرادة رسمية حديدية، وإطلاق مشروع قومي جاد، وتطوير المدرسة والمناهج العصرية، لكن ملف التعليم لا يُؤخذ بالجدية اللازمة، إنما بالمظهرية، وتمشية الحال عاماً بعد آخر.
التعليم الخاص في مصر؛ عام وجامعي يتوسع بشكل غير مسبوق، فأعداد المدارس الخاصة هائلة، نحو 11 ألف مدرسة تضم حوالي 3 ملايين طالب، وصارت مع “مراكز الدروس الخاصة” بديلاً تعليمياً لطلاب المدارس الرسمية.
وما يُنفق على التعليم الخاص والدروس الخصوصية من مليارات الجنيهات يتجاوز حدود التصور، وهذا عبء ضخم مرهق على كل العائلات دون استثناء.
ظاهرة مقلقة
أما التعليم الجامعي الخاص فهو يمثل ظاهرة تستوقف النظر، فإذا كان عدد الجامعات الحكومية 28 جامعة حالياً، فإن مقابلها 88 جامعة خاصة وأهلية ودولية بمصاريف كبيرة تتجاوز في بعض كلياتها مائتي ألف جنيه، والعدد في تزايد، مما يثير القلق على التعليم الجامعي المجاني.
كل جامعة حكومية تقابلها 3 جامعات خاصة، ومن أسف أنها تتجاوز دورها المهم كمؤسسات تعليمية إلى كونها مشروعات استثمارية وتجارية هدفها الربح.
هي تقدم التعليم لمن يستطيع الدفع، ولمن أخفق في الالتحاق بالكلية الحكومية التي يريدها لأن مكتب تنسيق الجامعات لم يمكنه من ذلك بسبب مجموع درجاته، لكن المال والربح والمكسب، بل التجارة هدف رئيسي لأصحاب هذه الجامعات، ومنهم نوال الدجوي، والملاك أمثالها، وحتى الجامعات الأهلية التابعة لجامعات حكومية تستهدف الربح أيضاً حتى لو أعلنت غير ذلك، ولنا تجربة واقعية مع هذه الجامعات؛ خاصة وأهلية، والمال هدف أساسي لها مقابل التعليم.