إسرائيل وإيران: حرب لم تحقق أهدافها!

اثنا عشر يوما من القصف المتبادَل كشفت عن زيف الادعاءات الإسرائيلية بالتفوق العسكري المطلق. خرجت تل أبيب من هذه الحرب حاملة جروحا عميقة لم تكن في الحسبان، بينما خرجت طهران أكثر تصميما على مواصلة برنامجها النووي رغم الضربات الموجعة.
إن البرنامج النووي الإيراني كان الهدف الرئيس لإسرائيل، لكن الضربات الجوية لم تستطع القضاء عليه تماما، فبينما دُمرت منشآت نطنز وفوردو بشكل كبير، بقي مفاعل بوشهر سليما، كما أن الخبراء يؤكدون أن إيران ما زالت تمتلك البنية التحتية، والكوادر العلمية القادرة على إعادة إحياء البرنامج خلال عامين على الأكثر، وهذه الحقائق تتناقض كليّا مع الرواية الإسرائيلية التي تزعم تحقيق نصر ساحق.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأن تكون رئيسًا حتى مدخل القبر!
مفهوم العمى الكولونيالي: لماذا لا يعترفون بحقنا في الحياة؟!!
غزة تمنح اليسار قبلة الحياة في بريطانيا
ونشرت الصحف، وبعض القنوات الأمريكية، ومنها “سي إن إن”، تقريرا استخباريا يؤكد عدم فاعلية الضربات الأمريكية في تدمير البرنامج النووي الإيراني، ما أثار ردود فعل عصبية من ترامب، أقلها وصف مذيعة الـ”سي إن إن” بـ”الكلب”.
خسائر إسرائيل في حربها مع إيران
على الجانب الآخر، تكبّدت إسرائيل خسائر بشرية ومادية فادحة، فقد تجاوز عدد القتلى المعلن عنهم 28، بينما أُصيب أكثر من 3 آلاف بإصابات متفاوتة، ووفقا لتقارير إسرائيلية رسمية، فقد تضرر أكثر من 31 ألف مبنى، منها 25 ألفا مهددة بالانهيار الكامل، كما دُمِّرت 4 آلاف سيارة تماما، ولم تسلم البنية التحتية العسكرية من الضربات الموجعة، حيث تعرضت أنظمة القبة الحديدية للإنهاك، وفقدت أكثر من 60% من فاعليتها في الجنوب.
المفاجأة الأكبر كانت في اختراق الدفاعات الإسرائيلية بشكل غير مسبوق، حيث تمكن 63 صاروخا إيرانيا من الوصول إلى أهدافه دون اعتراض، كما نجحت أكثر من 1000 طائرة مسيّرة في تنفيذ هجمات دقيقة، وصلت في بعضها إلى مسافة 5 أمتار فقط من أهداف حساسة في العمق الإسرائيلي. هذه النتائج كشفت هشاشة ما يسمى بـ”الدرع الحديدي” الذي روّجت له إسرائيل لسنوات.
الأزمة الاقتصادية التي خلّفتها الحرب لا تقل خطورة عن الخسائر العسكرية، حيث اعترف وزير المالية الإسرائيلي بأضرار مباشرة تُقدّر بأكثر من مليار وثلث المليار دولار، لكن التقديرات غير الرسمية تتحدث عن خسائر إجمالية تتجاوز 5 مليارات دولار، شملت تعطيل ميناء إيلات لأكثر من أسبوع، وانهيار قطاع السياحة، وهروب استثمارات أجنبية تُقدَّر بـ3 مليارات دولار.
شريان الحياة لإسرائيل
لقد كان التدخل الأمريكي المباشر شريان الحياة لإسرائيل في اليوم الثامن من الحرب، حيث نفّذت الطائرات الأمريكية 34 غارة على مواقع إيرانية، كما أسقطت السفن الحربية الأمريكية أكثر من 100 صاروخ وطائرة مسيّرة كانت في طريقها إلى الأراضي المحتلة، ولولا الدعم العسكري الكثيف، لكانت الخسائر الإسرائيلية أكبر بثلاثة أضعاف.
ما بعد الحرب يبدو أكثر قتامة بالنسبة لإسرائيل، فالاحتجاجات الداخلية تتصاعد، والمطالبات باستقالة نتنياهو تزداد حدة، بينما يعلن المرشد الإيراني استعداد بلاده لمواجهة أي عدوان جديد، وأن البرنامج النووي لم يتأثر كثيرا، وهذه الحرب كشفت أن عصر التفرد الإسرائيلي في المنطقة قد ولّى إلى غير رجعة، وأن أي مواجهة مستقبلية ستكون أكثر كلفة على الكيان المحتل.
الخسائر الإسرائيلية لم تقتصر على الجانب المادي، بل امتدت إلى البنية التحتية الحيوية، حيث تضررت منشآت مصافي النفط في حيفا بشكل كبير، كما أُصيب معهد وايزمان للعلوم، وهو أحد المراكز البحثية الحيوية في تل أبيب، بأضرار بالغة، وتعرّضت منشأة الكهرباء الرئيسة في أسدود لضربات موجعة أدت إلى انقطاع التيار عن آلاف المنازل لأيام متواصلة.
أما الوضع الداخلي في إسرائيل بعد الحرب، فقد نزح أكثر من 11 ألف شخص عن منازلهم نتيجة الدمار الذي لحق بالمباني السكنية، فيما تقدم ما يقارب 38 ألف شخص بطلبات تعويض عن الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم ومصادر دخلهم، وهذه الأرقام تكشف حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية الإسرائيلية بعد الحرب، رغم وجود حوالي مليون ملجأ داخل الكيان، فضلا عن آلاف المرضى النفسيين جرّاء الحرب.
هل تم القضاء على البرنامج النووي الإيراني؟
عندما بدأ الكيان حربه على إيران، كان يريد أهدافا عدة أهمها القضاء على البرنامج النووي الإيراني كاملا، والأمر الثاني القضاء على برنامج إيران الصاروخي من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية، وزعزعة النظام الإيراني.
ولكن الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي كان مدويّا، حيث أطلقت طهران أكثر من 500 صاروخ، و1150 طائرة مسيّرة استهدفت عمق الأراضي المحتلة. نجح 63 منها في اختراق الدفاعات الإسرائيلية والوصول إلى أهدافها، وهذه النسبة من النجاح تثير تساؤلات كثيرة حول فاعلية أنظمة الدفاع الإسرائيلية التي أُنفقت عليها مليارات الدولارات، فضلا عن أنظمة الدفاع الأمريكية التي كانت تتعامل مع هذه الصواريخ قبل دخولها المجال الجوي للأراضي المحتلة.
إن التكلفة الاقتصادية للحرب تتفاقم يوما بعد يوم، فبينما تُقدّر الأضرار المباشرة بمليارات الدولارات، فإن التكاليف غير المباشرة تتجاوز 5 مليارات دولار، تشمل انهيار القطاع السياحي، وتعطيل حركة التجارة، وهروب الاستثمارات الأجنبية. هذه الخسائر ستثقل كاهل الاقتصاد الإسرائيلي لسنوات مقبلة.
المرشد الإيراني، علي خامنئي، كان واضحا في تصريحاته بعد الحرب، حين أكد أن أي اعتداء جديد على الجمهورية الإسلامية سيدفع الكيان الصهيوني ثمنه باهظا، وهذه التصريحات تعكس ثقة عالية بالنفس لدى القيادة الإيرانية، التي خرجت من الحرب وهي أكثر تصميما على مواصلة برنامجها النووي.
وقد كشفت الحرب عن حقيقة مؤلمة لإسرائيل، وهي اعتمادها الكامل على الحماية الأمريكية، حيث لم تكن لتستطيع الصمود دون الدعم العسكري المباشر من واشنطن، وهذا الاعتماد المُذل يضع علامات استفهام كبيرة حول مستقبل الكيان المحتل حال تغيّر الموقف الأمريكي أو تراجع دعمه.
في النهاية، تبقى الحقيقة الأكثر إيلاما لإسرائيل أن هذه الحرب لم تحقق أيًا من أهدافها الاستراتيجية، فبرنامج إيران النووي ما زال قائما وقادرا على النهوض، بينما خرج الكيان المحتل منهكا، يعاني من أزمات داخلية عميقة، وانهيار لصورته كقوة عسكرية كبرى في المنطقة، وهذه النتائج تثبت أن زمن الهيمنة الإسرائيلية المطلقة قد ولّى إلى غير رجعة.