زُهران مَمْداني .. الأحلام المُمْكِنة في بلد الفرص والحريات

زهران ممداني (رويترز)

زُهران كوامي محمود مَمْداني، الاسم الأكثر تداولاً هذه الأيام في الإعلام الأمريكي والشارع وأروقة السياسة، بسبب تفوقه في الانتخابات الداخلية للحزب الديمقراطي، ويتجه لنيل بطاقة الترشح عنه في انتخابات العمدة لمدينة نيويورك.

وقد تفوق على أهم منافس، وهو أندرو كومو، الذي كانت التوقعات تمنحه فوزاً مريحاً، وهو العمدة السابق لـ نيويورك، واستقال من منصبه عام 2021 بسبب فضيحة التحرش الجنسي، وهو من عائلة منخرطة في العمل السياسي بهذه الولاية، بعكس زُهران الذي حظي بأول تمثيل سياسي له فيها قبل سنوات قليلة عندما فاز بعضوية مجلس ولاية نيويورك عام 2020.

وهنا نقول التالي:

أولاً: اسمه يُنطق بـ ضم الحرف الأول منه “زي”، كما كتبته في عنوان المقال، ولا يُقرأ بـ فتح هذا الحرف، وفق ما نقرأه في مصر “زَهران”.

وأشهر “زَهران” في الذاكرة المصرية، هو الفتى محمد درويش زهران الذي تم شنقه مع ثلاثة فلاحين آخرين في دنشواي، إحدى قرى محافظة المنوفية القريبة من القاهرة، التي كانت مسرحاً لعدوان جنود الاحتلال الإنجليزي على أهلها الذين تعرضوا لمحاكمة باطشة لصالح المحتل.

وخلد الحادثة النكراء واسم زهران الشاعر الراحل صلاح عبدالصبور في قصيدة شهيرة اسمها “شنق زهران”، ويتصادف حالياً مرور 119 عاماً على الحادثة، والمحاكمة الصورية التي استغرقت 3 أيام فقط “من 24 – 27 يونيو 1906”.

ثانياً: زُهران الأمريكي، من أصل هندي، وُلد في أوغندا، بشرق إفريقيا، ووالده محمود ممداني ، أستاذ بجامعة كولومبيا، دّرّس في أوغندا وجنوب إفريقيا قبل انتقاله بعائلته إلى أمريكا، ووالدته ميرا ناير، مخرجة معروفة من أصل هندي أيضاً، وهو متزوج من فنانة سورية، اسمها راما دواجي.

واسم كوامي التالي لـ زُهران، نسبة إلى كوامي نكروما، المناضل الغاني وأول رئيس لها، وكان من قادة التحرر الكبار في إفريقيا، وتزوج مصرية أنجب منها بنتاً وولدين أحدهما اسمه جمال يعمل صحفياً بمؤسسة الأهرام، على اسم جمال عبدالناصر، الصديق المقرب لـ نكروما الذي تم الانقلاب عليه عام 1966 بتدبير أمريكي.

زُهران واليهود والقضية الفلسطينية

ثالثاً: نحن أمام شاب يقتحم عالم السياسة في ولاية مهمة شديدة التنوع والانفتاح، وهى نيويورك، وفيها جالية يهودية هي الأكبر في عدد اليهود بعد إسرائيل، ولهم تأثير سياسي ومالي بارز فيها، وهى ولاية ديمقراطية يفوز بها مرشحو الحزب الديمقراطي، ويحصد أصواتها في المجمع الانتخابي المرشح الديمقراطي للرئاسة.

رابعاً: زُهران، سيكمل الـ 34 من عمره في أكتوبر المقبل، مواليد 18 أكتوبر 1991، انتقل مع والديه إلى أمريكا وهو في السابعة، وحصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وكان له نشاط وهو طالب لصالح القضية الفلسطينية، وهذه القضية ووضوحه في التعامل معها وصراحته في إعلان آرائه ومواقفه ضد الاستيطان وسياسات الاحتلال، ورفضه الإبادة في غزة، وعدم اهتزازه أمام انتقادات المنظمات اليهودية والصهيونية وداعمي إسرائيل، يساهم في رفع شعبيته والثقة فيه، وإذا فاز بمنصب العمدة سيكون أول مسلم يحوز هذا الشرف.

خامساً: هل يمكن أن تكون الطريق مفتوحة أمام زُهران للصعود السياسي أكثر، بأن يكون يوماً عضواً بمجلس النواب مثل رشيدة طليب، وإلهان عمر، أوعضواً بالشيوخ، وهل قد يحدث ما هو بعيد بأن ينافس داخل الحزب الديمقراطي على بطاقة الترشح للرئاسة خلال سنوات قادمة؟

لا شيء مستبعد في أمريكا بلد الفرص والحريات، رغم أن هذه الحريات يتم التشويش عليها بممارسات الرئيس الحالي ترامب الذي يتصرف كما لو كان حاكماً مستبداً قادماً من العالم الثالث، فهو يحاول قمع الحريات في الجامعات بسبب الاحتجاجات التي شهدتها دعماً لغزة، ويطارد المهاجرين، ويمنع أبناء 12 بلداً غالبيتهم عرباً ومسلمين من دخول أمريكا في استعادة لنفس قراراته خلال رئاسته الأولى “2017-2021”.

هل يكون أوباما الجديد؟

سادساً: في عام 2004 شاهد العالم لأول مرة شابا أسود اسمه، باراك حسين أوباما، يلقي كلمة اتسمت بالقوة والفصاحة في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي لترشيح جون كيري رسمياً لمنافسة جورج بوش الابن في انتخابات الرئاسة.

تابعت المؤتمر والكلمة مثل ملايين غيري، وفي اليوم التالي كتبت متنبئاً بأن هذا الشاب سيكون رقماً مهماً في السياسة الأمريكية، وبالفعل فاز بمقعد في مجلس الشيوخ في 2004، وفي 2008 نال بطاقة ترشح الحزب الديمقراطي للرئاسة، وفاز في دورتين متتاليتين ليكون أول سياسي أسود من أصول إفريقية رئيساً لأمريكا في حدث تاريخي كبير “2009 – 2017″، فهل يكرر زُهران ممداني مسارأوباما ليكون قائداً مؤثراً في الحزب الديمقراطي وفي ساحة السياسة والحكم في أمريكا؟.

سابعاً: الفتى زُهران ينتمي إلى جناح اليسار في الحزب الديمقراطي، وهو يحظى بدعم السيناتور الشهير بيرني ساندرز وقادة التيار الاشتراكي الديمقراطي بالحزب، وهو يراكم شعبية ملحوظة وسط الشباب والجاليات والفقراء، ويتميز بكاريزما في الخطابة والهيئة وطبعاً الأفكار المنظمة والمسيرة العملية منذ كان طالباً، وهو يدافع عن الفقراء والمهمشين، ويتبنى أجندة اجتماعية وخدمية تجذب إليه الكثيرين، فلا أحد يشق طريقه السياسي بنجاح في أمريكا دون أن يكون مؤهلاً لذلك وصادقاً فيما يقوله، ومثقفاً ومسيساً ولديه المسوغات لالتفاف الجمهور حوله ودعم المانحين له.

ليست غزة وحدها التي ترفع من شعبيته، إنما دراسته الجيدة لاحتياجات ومطالب سكان مدينة نيويورك وخطابه الذي يعكس ما يريدونه من المرشح لمنصب العمدة.

ونحن في انتظار ماهو قادم لـ زُهران من مستقبل سياسي وصعود انطلاقاً من نيويورك المدينة والولاية التي تمثل صورة مصغرة للعالم بكل أجناسه وألوانه ولغاته وعرقياته وثقافاته وأفكاره وتراثه وتناقضاته أيضاً.

في ظل الديمقراطية فإن الفرص مُتاحة للترقي السياسي لمن يمتلكون العلم والوعي والجدارة والكفاءة، فلا واسطة أو حظوة أو وراثة أو رتبة عسكرية فيها.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان