بالحرب أو بالسّلم.. العالم على أعتاب نظام دولي جديد

الرئيس السوري أحمد الشرع
الرئيس السوري أحمد الشرع (سانا)

لم يكن تتبع ما يجري في الشرق الأوسط أمرًا يسيرًا من قبل، أما اليوم فقد أصبح أكثر تعقيدًا وتشابكًا.

السياسات التي تبنّاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تركت أثرًا كالصاعقة في النظام الدولي، إذ أربكت التوازنات ودفعت نحو تحولات دراماتيكية لم تزل آثارها تتفاعل. وكما أن الزلازل تدمّر، فإنها تمهد أيضًا لبناء واقع جديد. لكن السؤال الجوهري هنا: هل تكفي العقوبات الاقتصادية وحدها لترسيخ هذا النهج الجديد؟

من خلال قراءة تاريخ البشرية، يتضح أن كل نظام عالمي جديد نشأ من رحم الصراعات وسفك الدماء. واليوم، تزداد خطورة هذا النمط مع دخول السلاح النووي على خط التوازنات، مما يجعل أي انهيار محتمل ذا تكلفة وجودية على البشرية جمعاء.

وفي هذا السياق، لا يمكن النظر إلى التوترات بين الهند وباكستان على أنها صراعات محلية فقط، فالحقيقة أنها ساحة تنازع غير معلنة بين القوى الدولية الكبرى.

الدول النامية، وحتى تلك التي تُصنف حديثًا ضمن الاقتصادات الصاعدة، ليست بمنأى عن هذه الصراعات، لأنها ببساطة تعيش في “حيّ مشتعل”. وفي عالم كهذا، لا خيار إلا الانخراط: إما باصطفاف سياسي، وإما باتباع مسار مستقل يفرضه الواقع الإقليمي والدولي.

نموذج هذا الخيار المستقل تجلّى مؤخرًا في موقف تركيا الداعم لباكستان. فالعلاقة بين البلدين ليست مجرد تقارب سياسي، بل تعبير عن تلاحم تاريخي عميق بين شعبين تجمعهما أواصر راسخة. وهذا لا يعني أن تركيا تتبنى موقفًا عدائيًّا من الهند، بل إن دعمها لباكستان ينبع من روابط الأخوّة التاريخية، لا من حسابات جيوسياسية ضيّقة.

أما على الساحة السورية، فالمشهد أكثر تعقيدًا، لكنّه يسير بحذر نحو تشكيل ملامح دولة جديدة. عملية إعادة بناء الدولة السورية ودمجها في المنظومة الدولية ستتطلب وقتًا وجهدًا، لكن المؤشرات تُظهر أن الولايات المتحدة قد عادت لأداء دور محوري، هذه المرة من خلال محور ثلاثي يضم تركيا والسعودية ومصر.

وتعيين السفير الأميركي في أنقرة مبعوثا خاصا للملف السوري، يكشف عن مَن يقود عقل الدولة في هذا المسار.

مع ذلك، تصرّ أنقرة على أن تمضي العملية بالتنسيق مع باقي الأطراف، وتؤكد أن هدفها ليس التوسع، بل ضمان حدود مستقرة مع دولة سورية قائمة على القانون والحوكمة الرشيدة.

السيناريوهات المحتملة في سوريا

لكن إلى أين يتجه المشهد السوري؟ هناك سيناريوهان رئيسيان:

السيناريو الأول (الأسوأ): أن تُقدم إسرائيل على استهداف فعلي للقيادة الجديدة في سوريا، بما يهدد بإشعال المنطقة من جديد. ورغم أن احتمالات نجاح هذا المسار ضئيلة، فإن عواقبه ستكون وخيمة، وقد تدفع بالمنطقة إلى دوامة فوضى وصراع لا يمكن السيطرة عليه. السؤال: هل تجرؤ تل أبيب على خوض هذا المسار؟ الإجابة: ربما نعم. لكن أن يمرّ ذلك دون ثمن فذلك أمر مستبعد وفق تقديرات أغلب المراقبين. السيناريو الثاني (الأفضل): أن تعمل سوريا بعقل دولة، وتُعاد صياغتها بما ينسجم مع النظام الدولي، عبر منظومة حكم تستند إلى القانون. هذا السيناريو قد يُخفّف من هواجس كثيرين، لكنه يواجه عقبات كبيرة، أبرزها تدخلات القوى الإقليمية الطامحة لأداء دور فوق قدرتها الفعلية.

ولكي تنجح إعادة بناء سوريا على أسس قانونية، لا بد أن تنسحب تلك القوى المتوسطة التي تسعى لتكريس نفوذها عبر الملف السوري. وهنا تبرز مفارقة: ما مدى تأثير هذه الدول في غياب الغطاء الأميركي؟

في هذا السياق، كان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد وجّه دعوة صريحة إلى إحدى هذه الدول لاختبار نفوذها على الأرض، لكنها لم تتمكن من إثبات قدرتها أو حتى من “العثور على الميدان”.

أما بريطانيا، فهي حالة خاصة. فبفضل إرثها الإمبراطوري، لا تزال تحتفظ بثقل دبلوماسي وسياسي يصعب تجاهله، وتؤدي أدوارًا تتجاوز حجمها الجغرافي.

 

خاتمة

ما ستؤول إليه الأمور لا يزال رهن الزمن. لكن إن استطاع ترامب -أو أي قيادة مماثلة- أن يُحدث تحوّلًا في النظام العالمي دون الانزلاق إلى حرب شاملة، فسيُعدّ ذلك معجزة سياسية. أما السيناريو المعاكس، فحتى الحديث عنه يُثير القلق.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان