مهنة في الثلاجة: الصحافة المصرية في قبضة المادة (12)

البطاقة الصحفية للصحفيين المصريين أعضاء النقابة (منصات التواصل)

تستضيف مصر نحو 16 مليون سائح سنويًّا وفقًا لآخر إحصاء رسمي صدر في نهاية عام 2024، ويبلغ سكانها نحو 115 مليون نسمة، وبينما يمكن لأي مواطن أو زائر أن يمسك بهاتفه المحمول وأن يديره ذات اليمين وذات الشمال، وأن يتجول بعدسته في شوارع المحروسة كيفما شاء فإن الصحفيين المصريين ممنوعون في واقع الممارسة الفعلية من أداء مهامهم في التغطية الحية والآنية وممنوعون من استخدام الكاميرا الصحفية، إلا وفق تصريح لا يصدر غالبًا إلا بعد انتهاء الحدث الذي يمكن أن ينتج خبرًا يُعرفه الأكاديميون بأنه سلعة سريعة التلف.

عضوية النقابة تصريح مهنة

منذ إنشاء نقابة الصحفيين عام 1941 كانت عضويتها بمثابة تصريح بمزاولة المهنة تمنحه لمن يمارسها مهما كان نوع دراسته أو تعليمه العالي إدراكا من المشرع أن الصحافة مهنة إبداع تتسع لمن يمارسونها حتى وإن لم يدرسوها ضمن تخصص أكاديمي.

وفي افتئات على سلطة النقابة ألزم القانون رقم 180 الصادر سنة 2018 لتنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في المادة رقم 12 منه الصحفيين بالحصول على تصاريح في أحوال لم يسمها أو يحددها، وإنما تركها بصياغة عامة مما وضع قيدًا فعليًّا على الممارسة التي تراجعت مساحتها أصلًا في العقد الأخير بفعل عوامل متشابكة تتعلق بالسياق السياسي والمهني معًا.

أصبحت المادة 12 من القانون المذكور مثار جدل منذ صدوره قبل سنوات سبع لكن الجدل تزايدت وتيرته في الأشهر الأخيرة مع تفاقم مشكلات الصحفيين في أثناء تغطيات وتصوير جنائز المشاهير والشخصيات العامة، وحدوث اقتحامات للمهنة ومزاحمات في الممارسة من مؤثرين ومدونين ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لا رابط لهم ولا إلزام عليهم في أي انتهاك يقومون به لأنهم ليسوا أعضاء في نقابة الصحفيين.

تزايد الجدل دفع نقابة الصحفيين إلى تبني دعوة لتعديل محدد للمادة 12 في القانون الذي تتحفظ نقابة الصحفيين على عديد من مواده التي أجيزت رغم اعتراض أصوات صحفية ونقابية وقت صدوره.

وتنص المادة 12 على ما يلي:

“للصحفي أو الإعلامي في سبيل تأدية عمله الحق في حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة وإجراء اللقاءات مع المواطنين، والتصوير في الأماكن العامة غير المحظور تصويرها، وذلك بعد الحصول على التصاريح اللازمة في الأحوال التي تتطلب ذلك”.

وبنظرة فاحصة فإن المادة تحدثت عن حق الصحفي في حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة وإجراء اللقاءات مع المواطنين والتصوير في الأماكن العامة غير المحظور تصويرها، مثل الشوارع سواء كانت في مناطق شعبية أو تجمعات راقية لكن الممارسة على أرض الواقع تسببت في أن يكون الصحفي سواء كان محررًا أو مصورًا متهمًا بانتهاك القانون وعرضة للقبض عليه والاعتداء الجسدي أو اللفظي سواء كان ذلك من سلطات محلية لا ترغب في أن تعرف الصحافة شيئا أو من جمهور عام لا يتحمل فضح مواقف معينة أو كشفها للصحافة.

دعوة إلى التعديل

تزايد مشكلات الممارسة الفعلية خاصة مع المصورين دفع نقابة الصحفيين لعقد عدة فعاليات لمناقشة واقع الحال ومحاولة الوصول إلى حلول تضمن الممارسة المهنية ولا تعطلها، غير أن المناقشات وصلت إلى نتيجة مفادها أن المادة 12 معطلة للمهنة، مما قاد في النهاية لدعوة النقابة إلى عقد اجتماع مفتوح مع أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بحضور الصحفيين وشعبة المصورين لدراسة مدى إمكانية المضي قدما في طلب تعديل المادة المذكورة وحدها بعيدا عن الدخول في معضلة تعديل القانون بأكمله.

اللقاء الذي عقد في نقابة الصحفيين المصريين قبل أيام كشف عن تفسير مغاير للمادة نقله الحاضرون عن رسميين عبر مناقشات سابقة وهو أن المادة لا تعطل الممارسة ولكن تنظمها وأن عبارة “الحصول على التصاريح اللازمة في الأحوال التي تتطلب ذلك” معناها الإباحة والإتاحة وأن كلمة “الأحوال” تقصد الاستثناء من القاعدة، لكن شهادات الحاضرين كشفت أن الممارسة الفعلية جعلت الاستثناء هو القاعدة وأن الأحوال التي يقصد بها بعض الأحداث صارت تنطبق على كل الأحداث وأن الحصول على تصريح أصبح مطلبًا من أي سلطة حقيقية أو مفتعلة، صغيرة أو كبيرة، رسمية أو عرفية.

تطرقت المناقشات لمدى ملاءمة الوقت الحالي للتقدم بطلب التعديل عبر النواب الصحفيين مع قرب انتهاء الدورة البرلمانية خلال أشهر واستعداد المسرح السياسي لانتخابات جديدة في البرلمان بغرفتيه (النواب والشيوخ)، حيث رأى البعض أن أي خطوات في هذا الشأن ستتوقف عند حدود التقدم بطلب موقع من ستين عضوا وفق اللائحة الداخلية لمجلس النواب المنوط به إقرار وتعديل وإلغاء القوانين، وأن الأمر لن يطرح للتصويت في جلسة عامة حتى وإن استوفى الإجراءات المتبعة في مثل هذه الحالات من عرضه ومناقشته في اللجنة العامة أو التشريعية.

دار نقاش آخر حول الأجدى في هذا التوقيت هل هو طلب تعديل القانون بأكمله أم الاقتصار على طلب تعديل محدود للمادة 12، وانتهت النقاشات إلى أن طلب التعديل لابد أن يقتصر على مادة واحدة وأنه لن يتدخل في إعادة صياغة المادة وإنما سيركز فقط على حذف الجزء الأخير منها الذي يتحدث عن الحصول على تصاريح.

تصريح قبل الحريق

إذا شب حريق أو وقع حادث مفاجئ أو إضراب أو مظاهرة وهرع الصحفيون إلى مكان الحدث هل سيجدون من يطالبهم بإبراز تصريح كان يجب عليهم التقدم للحصول عليه قبل الشروع في تغطية الحدث أو حتى قبل وقوع الحدث نفسه؟

واقع الممارسة الذي كشفه الحاضرون يؤكد أن هذا يحدث ويؤدي في النهاية إلى القبض على الصحفي بتهمة عدم الحصول على تصريح أو إبعاده عن مكان الحدث فقط والسماح له بالانصراف إذا كان محظوظا، كما أثير تساؤل ساخر ومرير على لسان صحفي، كيف أعرف أن حريقًا سيشب قبل اندلاعه أو أن حادثا سيقع فأتقدم للحصول على تصريح بالتغطية وأن يصدر التصريح بسرعة لأبدأ العمل قبل انتهاء الحدث نفسه؟

لقد اتفقت النقاشات في النهاية على أن إثارة الجدل حول المادة هو جزء من نقاش أوسع مقصود لذاته وأنه لابد أن يتضمن تعديلًا شاملًا للقانون 180 لسنة 2018 وأن البدء بالحديث حول تعديل مادة تسببت في وضع المهنة في الثلاجة هو مدخل لازم للنقاش حول القانون كله في الدورة البرلمانية الجديدة، في ظرف قد يكون أكثر ملاءمة في أجواء تنتظر تغييرا ما قد يحدث بأي طريقة.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان