الحرب الحديثة.. حيث تسقط البطولات وتعلو الوقائع

الصواريخ الإيرانية كشفت أن القبة الحديدية مجرد أسطورة (غيتي)

الفوضى، الحرب، الهجمات، والاضطرابات الكبرى تحاصر خيال الإنسان، وتبلغ هذه المحاصرة حدا يُنتج أحكاما لا تمتّ إلى الواقع بصلة، لكنها تُقدَّم وكأنها حقائق.

في مثل هذه الأوقات، يتوجب على “عقل الدولة” أن يلتزم بالخطة المرسومة سلفا، وألّا يفسح المجال للعواطف أو التهيؤات في اتخاذ القرار. فتعقُّب الأثر وسط الفوضى، ووضع الاستراتيجيات أثناء الحرب، واتخاذ القرار السليم تحت الهجمات، لا يكون إلا من نصيب من يحكم بعقله فقط.

من هنا، فإن توقف إسرائيل عن مهاجمة إيران يتيح لنا أرضية ملائمة لإجراء تحليل دقيق. “التوقف المؤقت” (نستخدم مصطلح “توقف” عن قصد هنا) يمنحنا فرصة للتفكير السليم.

ولكي نفكر بشكل سليم، علينا أولا تحديد ركائز تفكيرنا. إذ إن عدم فعل ذلك سيجعل مقارباتنا لا تتجاوز حدود البلاغة والخطابة.

مرتكزات التفكير السليم في الحرب بين إسرائيل وإيران

المرتكز الأول: من المضلل النظر إلى الولايات المتحدة كوحدة صلبة تدعم إسرائيل دون قيد أو شرط. تصريحات الرئيس الأمريكي المتذبذبة، عدم إبدائه أي إشارة لرغبته في تغيير النظام في إيران، ومشاركته الرمزية والسابقة الإخطار في الهجوم، كلها تشير إلى وجود مقاومة -أو محاولة مقاومة- داخلية للّوبي الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة.

المرتكز الثاني: دعم روسيا أو الصين لإيران لا يُقارَن، لا من حيث الشكل ولا المضمون، بدعم الولايات المتحدة أو بريطانيا لإسرائيل. فروسيا مشغولة فعلا بحرب أخرى، ومن ثَم فإن اهتمامها محدود. أما الصين فتميل -كقاعدة عامة- إلى عدم التورط في صراعات لا تمسها مباشرة، مما جعل دعمها محدودا كذلك.

المرتكز الثالث: نجحت استراتيجية “عقيدة الأخطبوط” الإسرائيلية في التفوق على “عقيدة الصبر” الإيرانية، لأن طهران قدَّمت غياب الاستراتيجية كاستراتيجية بحد ذاتها. وقد دفعت إيران ثمن سنوات من الهيمنة في بعض الدول عبر انغماسها في هوس أيديولوجي ومذهبي، لتكتشف أن النار وصلت إلى عقر دارها. خط الدفاع الإيراني انهار، ليس بسبب إسرائيل، بل بسبب سوء إدارة طهران.

أي تحليل يُغفل هذه النقاط سيكون ناقصا أو منحازا. وأي استراتيجية تُبنى دون احتساب القوة السياسية والعسكرية للغرب، مصيرها الفشل.

فما الذي تكشفه هذه الحرب من حقائق؟

الحقيقة الأولى: إيران لا تمتلك منظومة دفاع جوي فعالة، بل الأصح أنها لا تملك أسلحة حقيقية باستثناء الصواريخ.

الحقيقة الثانية: جهاز الاستخبارات الإسرائيلي في إيران لا يقل فاعلية عن نظيره الإيراني.

الحقيقة الثالثة: القبة الحديدية الإسرائيلية مجرد “أسطورة”، والواقع مختلف تماما.

الحقيقة الرابعة: قدرات إيران الصاروخية مؤثرة لكنها غير كافية.

الحقيقة الخامسة: من دون الدعم الأمريكي، من المستحيل أن توفر إسرائيل أمنها بنفسها.

الحقيقة السادسة: من دون أمريكا والغرب، من غير الممكن حتى الآن بناء استراتيجية ذات بُعد عالمي.

الحقيقة السابعة: إدارة بايدن -وخاصة ترامب سابقا- تبنت سياسة تحاول مقاومة إسرائيل قدر الإمكان.

الحقيقة الثامنة: لا يزال برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني غامضا من حيث الحجم والتأثير.

الحقيقة التاسعة: عندما يتعلق الأمر بالأقوياء، لا يعود للقانون الدولي أي معنى أو قيمة.

الخاتمة

الذين أشعلوا الحرب، والذين أوقفوها مؤقتا، هم هذه الحقائق. فنتائج الحروب لا تحسمها الأوهام، بل الواقع. وحين تُفتح الجبهة، تفقد الكلمات معناها، ولا يبقى سوى منطق القوة. وفي عالم تحكمه القوة، لا يبقى للقانون صوت.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان