«ممداني» كابوس ترامب الجديد

زهران ممداني يحظى بشعبية واسعة في نيويورك
زهران ممداني يحظى بشعبية واسعة في نيويورك (رويترز)

قبيل إعلان فوز زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية بالحزب الديمقراطي لمنصب عمدة مدينة نيويورك، وقف وسط الآلاف من مؤيديه قائلا:

“نحن على حافة انتصار تاريخي، ليس فقط لأني أول مسلم ومهاجر واشتراكي سيفوز بهذا المنصب، ولكن لما سنفعله، فهذه المدينة ستكون الحياة فيها متاحة للجميع.

وإذا كانت نيويورك فعلا مدينة لا تنام، فإنها تستحق عمدة لا يتلقى تعليماته من المليارديرات، ولا يسمح لوكالة الهجرة بأن تتسلل في جنح الظلام لطرد جيراننا، عمدة يعمل من أجل توفير خدمات لمئات الآلاف ممن هم في أمسّ الحاجة إليها.

وليلة فوزنا بالعمودية ستكون للبعض ليلة عادية، ولكن بالنسبة لأعداد كبيرة ستكون بمثابة فجر جديد”.

ممداني، عضو الجمعية التشريعية لولاية نيويورك (33 عاما)، حصل على 43% من الأصوات في انتخابات سجلت أعلى نسبة مشاركة منذ 36 عاما، ليضمن عمليا الفوز بمنصب عمدة المدينة ذات الهوى الديمقراطي.

ويتمتع ممداني بـ”كاريزما”، فبينما يبدو الديمقراطيون الآخرون مُحرَجين على وسائل التواصل الاجتماعي، ينتمي ممداني إلى جيل يسبح في هذه المياه بفطرته.

وبعد أسبوع من فوز ترامب، زار كوينز وبرونكس حاملا ميكروفونا، وأجرى مقابلات مع عمال نيويورك، حول أسباب تصويتهم لترامب. وقد حقق مقطع فيديو لهذه المقابلات 2.7 مليون مشاهدة على منصة إكس للتواصل الاجتماعي.

التقدميون قادمون

تفوُّق ممداني على منافسه البارز، حاكم الولاية السابق أندرو كومو (67 عاما)، الذي استقال قبل عامين على إثر فضيحة تحرش جنسي، يُعَد تحولا سياسيا بارزا، يعكس تصاعد نفوذ التيار التقدمي في قلب الحزب الديمقراطي.

فـ”كومو”، حظي بتمويل شركات كبرى، وبدعم من الرئيس السابق كلينتون وعمدة نيويورك السابق مايكل بلومبرغ، ولم يصمد.

وسيطرة الجناح التقدمي على المدينة، التي تُعَد مركزا اقتصاديا عالميا وأكبر بوابة للهجرة للبلاد، جاء بعد أيام من محاولة فاشلة تبنتها نائبة تنتمي إلى الجناح التقدمي، لعزل الرئيس بسبب الضربات على إيران، وبعد أسبوعين من مظاهرات غير مسبوقة ضد سياسات ترامب.

ورطة ترامب

وبالطبع، لم يكن هذا الانتصار على هوى ترامب، فغرد قائلا “مع عمدة مدينة نيويورك الشيوعي المستقبلي، فإن بلادنا في ورطة حقيقية!”، مشيرا ضمنيا إلى أن المهاجرين الملونين يسيطرون على أمريكا.

وتابع على منصته (تروث سوشيال) “مظهره بشع، صوته مزعج، إنه ليس ذكيا جدا”.

وضم ترامب ممداني إلى مشرّعات ليبراليات تقدميات أخريات من أصول غير بيضاء، ملمحا بسخرية إلى قدرتهن على قيادة الحملة الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية لعام 2028.

وبينما وصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه “يترشح وفق أجندة يسارية متطرفة”، تساءلت صحيفة نيويورك بوست “من سينقذ المدينة بعد أن هاجم اشتراكي متطرف كومو في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي؟”.

نصير “الغلابة” وفلسطين

لكن ممداني نجح لأنه يمثل بوضوح نقيض سياسة ترامب المنحازة إلى بارونات المال والمؤيدة لدولة الاحتلال.

وركز في حملته على محاربة غلاء المعيشة، وتثبيت قيمة الإيجارات، وتوفير رعاية شاملة للأطفال. ووعد بتوفير حافلات مجانية، والتصدي لجشع الشركات.

وعلى خلاف الديمقراطيين، الذين حرموا أمريكيا فلسطينيا من فرصة إلقاء كلمة في مؤتمرهم الوطني، العام الماضي، أظهر ممداني قيمة الشجاعة..

ووصف أفعال إسرائيل في غزة بـ”الإبادة الجماعية”، وانضم إلى إضراب عن الطعام أمام البيت الأبيض مطالبا بوقف إطلاق النار، ودافع عن قضية محمود خليل، الناشط الطلابي في جامعة كولومبيا، الذي قضى أكثر من ثلاثة أشهر رهن الاحتجاز بأمر من قاضٍ فيدرالي.

وواجه بصلابة حملات تشويه تتهمه بمعاداة السامية، وبأنه “متعاطف مع حماس”، وتربطه بهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي وقعت عندما كان في الثامنة من عمره.

وكتب المحلل السياسي الأمريكي اليهودي جون بودوريتز، الذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري، بعد فوز ممداني “ببساطة، فاز ممداني بسبب هجمات حماس في 7 أكتوبر”.

وتابع أنه مرشح “فلسطين الحرة”، مرشح “عولمة الانتفاضة”، وأنه مسلم مولود في الخارج، نشأ في صفوف الحركة المناهضة لإسرائيل في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

ولفت إلى أنه تعهد باعتقال نتنياهو إذا جاء إلى نيويورك، بينما كان منافسه الرئيسي “كومو” ضمن الفريق القانوني المدافع عن رئيس الوزراء الإسرائيلي.

لكن جهود “كومو” وحلفائه لتصوير ممداني على أنه مُعادٍ للسامية باءت بالفشل، خصوصا بعد نجاح الصمود الفلسطيني في تغيير المزاج العام وسط اليهود، الذين يشكلون نحو 13% من سكان المدينة، التي تُعَد موطن أكبر عدد من اليهود خارج تل أبيب.

ممداني “أرابيسك”

وتحدى ممداني -كذلك- خطة ترامب لطرد المهاجرين، بتعهده بإخراج إدارة الهجرة السيئة السمعة من المدينة.

وفي الواقع، فإن الخلفية الثقافية والسياسية لممداني، التي تندمج فيها الاعراق وتنصهر، تتحدى مشروع ترامب العنصري، الذي يحتقر المسلمين والأجانب، ويدعو الى طرد المهاجرين.

فـ”ممداني” أوغندي من أصول هندية إسلامية شيعية، من مواليد كمبالا عاصمة أوغندا في عام 1991، وهاجر مع أهله إلى أمريكا، وحصل على جنسيتها.

ووالده البروفيسور محمود ممداني، أستاذ دراسات “ما بعد الكولونيالية” في جامعة كولومبيا، من مسلمي ولاية كوجارات الشيعة، هندي المولد، وهاجر إلى أوغندا ويحمل جنسيتها، وكوامي -وهو الاسم الأوسط لممداني- يرتبط بأول رئيس لغانا كوامي نكروما.

بينما زوجته، راما دوجي (27 عاما)، سورية المولد دمشقية الأصل، وهي فنانة ورسامة، من أصول مسلمة سنية عربية، وتزوجا في نيويورك في مكتب كاتب العدل (زواج مدني) هذا العام.

دروس العقد الماضي

لن تستسلم القوى السياسية والاجتماعية لفوز ممداني، ولن ترفع راية الاستسلام، وستعمل ليلا ونهارا لتقويض أي محاولة لتجاوز أصغر تحدٍّ لثروتها وسلطتها.

ومن المتوقع أن تقاومه المؤسسة الديمقراطية، تماما كما فعلت هيلاري كلينتون ضد ترشيح السيناتور بيرني ساندرز عام 2016.

ففوز ممداني ملهم للغاية، وسيثير حماس التقدميين، لكن لا بد من استخلاص دروس العقد الماضي.

فمن بين الشخصيات البارزة التي حظيت بتأييد شعبي واسع، ساندرز وألكسندريا أوكاسيو، اللذان أنعشا اليسار الأمريكي في عهد رئاسة ترامب الأولى، لكنهما في النهاية اصطفا خلف “الإبادة الجماعية” والآلة الديمقراطية.

ليس لأنهما بلا مبادئ، بل هو منطق العمل داخل الحزب الديمقراطي، واعتبار الانتخابات أهم وسيلة لتحقيق التغيير الاجتماعي.

بديل جديد ممكن

بالتأكيد، كان انتصار ممداني بمثابة قُبلة الحياة للديمقراطيين بعد خسارتهم المذلة أمام ترامب.

وقالت صحيفة الغارديان البريطانية “يمثّل ممداني تغييرا جيليا، وتوبيخا لمؤسسة حزبية أصبحت راضية عن نفسها ومنافقة”.

كان الحزب في حالة انهيار تام، فقد فشل في هزيمة ترامب، وخسر مجلسي الكونغرس. ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني، يبحث الديمقراطيون عن مخرج من المأزق، وقد وجدوه في ممداني.

بينما يطرح آخرون ضرورة السير في طريق آخر مستقل.

ويجادلون بأن انتفاضة لوس أنجلوس أظهرت قوة الجماهير، فهي تجمع بين حركتي “دعم فلسطين” و”مناهضة الترحيل” اللتين لم يفلح الديمقراطيون في حشدهما.

وقد أشعلت الانتفاضة مقاومة وطنية واسعة، حيث كانت احتجاجات “لا للملوك”، التي شهدتها أمريكا الشهر الجاري، الأضخم منذ عقد.

ويكمن الأمل في استثمار انتصار ممداني، وتوجيه المزاج الغاضب لدى 30 ألف متطوع في حملته، نحو بناء تنظيمات مستقلة قادرة على تجاوز مؤسسة الحزب الديمقراطي، وإسقاط مشروع ترامب العنصري والاستعماري.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان