النتائج الحقيقية للحرب تحدد شكل المنطقة وليس البروباغندا

تتسابق كل من إيران والكيان الصهيوني في إظهار الانتصار على الطرف الآخر، والسبب في ذلك أن الحرب انتهت بالفعل بنتيجة تتيح لكل منهما ادعاء هذا النصر، وقد توقعت ذلك في مقال لي في هذا الموقع بتاريخ 18-6-2025 وقد استشهدت بحرب الخليج الأولى التي كانت إيران طرفا فيها في مقابل العراق، وانتهت بنتيجة سمحت لكلا الطرفين بادعاء النصر.
حسنا لندع كل طرف يدعي ما يشاء أمام الكاميرات، وأمام الحشود في ميادين النصر، ويقدم ما يشاء من البروباغندا (الدعاية)، لكن هل تصدق كلتا الدولتين هذه البروباغندا؟ بنسبة كبيرة أشك في ذلك، فالتقييم الموضوعي لمجريات الحرب، ونتائجها الفعلية يحدث في طهران وفي تل أبيب، ولا مجال لمجاملة النفس بنتائج غير حقيقية، فهذه التقييمات الموضوعية والأمينة هي التي تتيح للدولة معرفة نقاط قوتها وضعفها، وهي التي تدفعها إلى تدارك أخطائها، وسد الثغرات التي أظهرتها الحرب، فطهران منشغلة حاليا بمطاردة الجواسيس الذين كانوا أكبر ثغرة نفذ منها الكيان، وأصاب أهدافه بدقة سواء القادة العسكريين، أو العلماء النوويين، أو المواقع العسكرية والنووية، وتل أبيب مشغولة بعلاج خلل نظمها الدفاعية وقبتها الحديدية التي فشلت في إسقاط العشرات من الصواريخ الإيرانية، وواشنطن منشغلة بمعرفة مدى دقة قاذفاتها التي استخدمت لأول مرة في ضرب المنشآت النووية الإيرانية إلخ.
من يملك الحقيقة؟
الحقيقة الكاملة يمتلكها كل طرف فيما وقع على أرضه، وبناء على هذه الحقيقة ستظهر تفاعلات الدولة في علاقاتها الإقليمية والدولية، وحتى في سياساتها الداخلية، تستطيع كل حكومة بيع الوهم لشعبها أو لغيره من الشعوب بعض الوقت، فتكسب شعبية مؤقتة، لا تلبث أن تتراجع أو تنهار حين يفيق الشعب على الحقائق التي حجبت عنه.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأن تكون رئيسًا حتى مدخل القبر!
مفهوم العمى الكولونيالي: لماذا لا يعترفون بحقنا في الحياة؟!!
غزة تمنح اليسار قبلة الحياة في بريطانيا
نتنياهو الآن يتمتع بشعبية كبيرة هو وحزبه (الليكود) نتيجة ما صوره لشعبه من انتصارات دمرت المشروع الإيراني بزعمه، وقتلت عددا من القادة العسكريين والعلماء النوويين من الصف الأول، ويساعده في هذا التضليل الرئيس الأمريكي ترامب الذي يدعي بدوره أن طائراته أصابت بدقة المشروعات النووية الثلاثة التي استهدفتها (فوردو ونطنز وأصفهان)، وأنه حقق مع شريكه نتنياهو نصرا كاسحا، لكن الإعلام الأمريكي كان أسرع من غيره في كشف هذا التضليل، مما أفسد على ترامب فرحته، وأصابه بالجنون الذي ظهر في هجومه هو ومساعدوه وسبابهم لبعض الصحف والقنوات الأمريكية، كما بدأ الإعلام العبري يتحدث عن زوايا جديدة للمعركة، وعن خسائر الكيان فيها، وعن تضليل فيما يخص الأضرار التي لحقت بالمشروع النووي الإيراني، لا نتوقع شيئا من ذلك من الإعلام الإيراني الذي لا يتمتع بالحرية ذاتها التي يتمتع بها الإعلام الأمريكي والإسرائيلي.
الاختبار الحقيقي
نسجل هنا أن إيران لم تكن البادئة بالعدوان، وبالتالي لم تضع أهدافا نحاسبها عليها، وأن النتيجة التي حققتها في الحرب وهي الصمود في مواجهة العدوان الإسرائيلي الأمريكي، والردود المؤلمة لصواريخها في العمق الإسرائيلي، والأهم من ذلك حفاظها على مشروعها النووي بشكل كبير (مع اعترافها بتعرضه لأضرار جزئية)، وكذا بقاء نظامها الحاكم الذي كان مستهدفا بالإطاحة، كل ذلك يمثل نصرا معنويا كافيا بالنسبة لها، حتى وإن تعرضت لخسائر ترهق اقتصادها المرهق أصلا.
في ظل حالة النشوة الوهمية بالنصر لدى الكيان، ظهرت ملصقات تضم عددا من قادة الدول العربية، باعتبارهم الحلف الإقليمي الجديد مع الكيان، وهو ما يتقاطع مع وعد نتنياهو بتشكيل شرق أوسط جديد على المقاس الإسرائيلي، فهل سيستطيع نتنياهو تنفيذ وعده أو تهديده بالفعل؟ هذا هو الاختبار الحقيقي لمدى صدق الانتصارات، وهذه المصداقية لا تتوقف على اقتناع الكيان الصهيوني منفردا أو حتى الراعي الرسمي (الولايات المتحدة)، بل تتسع للتقييمات الحقيقية لبقية دول المنطقة لنتيجة الحرب، ووفقا لهذه التقييمات ستبني سياساتها، ومن ذلك مسارعتها أو تلكؤها أو حتى تعطيلها لمشروع التطبيع الإبراهيمي الذي يزعم كل من نتنياهو وترامب أنه سيجتذب المزيد من دول المنطقة.
هل استفادت غزة؟
في تقديري أن نتيجة الحرب لا تشجع الدول العربية على الهرولة إلى التطبيع مع الكيان، بل ربما تدفعها إلى ممارسة المزيد من الضغوط عليه لإنهاء حربه في غزة، وكذا الوصول إلى تسوية نهائية للقضية الفلسطينية وفقا لمبدأ حل الدولتين (بغض النظر عن موقفنا من هذا الحل)، كما أن نتيجة الحرب ستشجع الدول العربية على التمرد نسبيا على الابتزاز الأمريكي لها، وقد تدفعها إلى تحسين علاقاتها مع إيران، استكمالا للمسار الذي بدأته بالفعل قبل الحرب.
وفي غزة حيث كانت الشرارة الأولى التي انتقلت جذوتها إلى لبنان ثم إيران، ورغم الدمار الواسع وقتل عشرات الآلاف، وتجويع الأهالي، لم يستطع نتنياهو حتى اللحظة تحقيق أهدافه المعلنة للحرب وهي استعادة جميع الأسرى، وتدمير حماس، وإعادة مستوطنيه إلى أماكنهم التي هجروها في غلاف غزة والجليل الأعلى، ولم يستطيع فرض شروطه في جلسات التفاوض، بل إن المقاومة هي التي تصر على شروطها حتى الآن، ولم تفلح معها الضغوط الأمريكية وحتى العربية، ومن الواضح أن تقديرات المقاومة الفلسطينية لنتائج الحرب الإسرائيلية الإيرانية تقديرات إيجابية تعزز موقفها التفاوضي، ولذا فهي لا تهتم بالتسريبات التي تظهر من الجانبين الإسرائيلي والأمريكي، وتتعامل معها باعتبارها جزءا من الحرب النفسية التي اعتادتها، مع تأكيد موقفها الثابت بضرورة وقف العدوان وإدخال المساعدات.. في كل الأحوال نحتاج قليلا من الوقت حتى تظهر انعكاسات نتائج الحرب على شكل المنطقة، وقواها الرئيسية.