قصة القانون الذي أزعج الشارع المصري

بعد جدل واسع وجلسة نيابية مشحونة، وافق مجلس النواب المصري على تعديل قانون الإيجارات القديمة، في خطوة اعتبرها مراقبون تحوّلا قانونيا مهما، لكنه يثير قلقا واسعا على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، إذ يرى البعض في القانون الجديد مساسا بحقوق ملايين الأسر محدودة الدخل، بينما يعتبره آخرون ضرورة لمعالجة تشوهات تاريخية في سوق العقارات.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (2017)، فإن نحو 3.2 ملايين أسرة تقيم في وحدات سكنية خاضعة لنظام الإيجار القديم، ويفرض القانون الجديد زيادات تدريجية على القيمة الإيجارية خلال فترة انتقالية تمتد إلى سبع سنوات للوحدات السكنية، وخمس سنوات للوحدات غير السكنية، مع تصنيف المناطق حسب درجة تميزها العقارية.
أزمة متوقعة للفئات الضعيفة
المخاوف الكبرى تتركز لدى الفئات الأكثر هشاشة، مثل كبار السن والأرامل وأصحاب المعاشات المنخفضة، حيث قد تجد هذه الفئات نفسها عاجزة عن مواكبة الزيادات المقررة، فعلى سبيل المثال، قد تصل قيمة الإيجار الشهري في بعض المناطق بعد السنوات السبع إلى ما يفوق إجمالي المعاش الشهري للمستأجر.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأن تكون رئيسًا حتى مدخل القبر!
مفهوم العمى الكولونيالي: لماذا لا يعترفون بحقنا في الحياة؟!!
غزة تمنح اليسار قبلة الحياة في بريطانيا
كما يشير مختصون إلى أن التطبيق المفاجئ دون حماية اجتماعية كافية قد يؤدي إلى موجات نزوح من المناطق الحضرية إلى أطراف المدن والريف، لا سيما في المحافظات الفقيرة مثل أسيوط، حيث يعيش نحو 35% من السكان تحت خط الفقر، وتضم عشرات الآلاف من الوحدات المؤجرة بنظام الإيجار القديم.
مخاوف من فقدان التراث العمراني
واحدة من التداعيات غير المباشرة لتعديل القانون قد تطال النسيج العمراني في المناطق التاريخية، وخصوصا وسط القاهرة، إذ يُخشى أن يؤدي الإخلاء الجماعي أو ارتفاع الأسعار إلى هدم العديد من العقارات القديمة ذات الطابع المعماري الفريد، لتحل محلها مشروعات استثمارية لا تراعي القيمة التراثية.
شهدت مناقشات البرلمان اعتراضات على بعض مواد القانون، لكن مقترحات مثل مدّ الفترة الانتقالية إلى 15 عاما، أو ربط الزيادات بالحد الأدنى للأجور، لم تجد طريقها للموافقة. كما طُرحت مطالبات باستثناء فئات محددة مثل الأرامل والمرضى من أحكام الإخلاء، لكنها لم تُدرج ضمن الصيغة النهائية للتشريع.
البدائل المقترحة: هل ضاعت الفرصة؟
يرى منتقدو القانون أن هناك بدائل أكثر توازنا، منها زيادة تدريجية بنسب محدودة (مثل 5% سنويا)، وتنظيم عملية التوريث في عقود الإيجار، واسترداد الوحدات المغلقة بشكل يضمن عودة الحق للمالك دون الإضرار بالمستأجر.
ويقول اقتصاديون إن السوق العقارية قد تتأثر سلبا بتطبيق مفاجئ للقانون، إذ من المتوقع ارتفاع أسعار الإيجارات الجديدة بنسبة قد تصل إلى 40%، ما سينعكس على كلفة المعيشة وأسعار السلع والخدمات، خاصة مع انتقال آلاف المحال التجارية من نظام الإيجار القديم إلى السوق المفتوحة.
نهاية مفتوحة وأسئلة معلّقة
القانون الذي اعتبره البعض انتصارا لحقوق الملاك، يراه آخرون قفزة غير محسوبة، تُهدد الاستقرار الاجتماعي لشريحة واسعة من المواطنين، والسؤال الجوهري الذي يطرحه النقاد: هل كان من الممكن الوصول إلى حل يوازن بين حق المالك وكرامة المستأجر؟
في غياب سياسات إسكان عادلة، ودعم كافٍ للفئات الضعيفة، قد يتحول الإصلاح إلى عبء، ويُفضي إلى نتائج عكسية، ويبقى التحدي أمام الحكومة هو تحويل التشريع من صدمة اجتماعية إلى فرصة لتصحيح التشوهات الهيكلية في سوق الإسكان المصري.