الأسطول يصفع الفيتو الأمريكي

خلال استقبال الأسطول في تونس
خلال استقبال الأسطول في تونس (الأوروبية)

باتجاه غزة الآن يبحر أسطول الصمود، محملًا بوجوه نبيلة تحمل على أعناقها همّ القطاع المحاصر.
هم ليسوا من أصحاب القرار لكنهم من أصحاب الضمير.
ناشطون من دول عدة، بينهم فنانون وكتاب وصحفيون، رجال ونساء، حركهم ضميرهم الإنساني وهم يشاهدون أبشع حرب إبادة عرفها التاريخ الحديث.
في التعريف بالأسطول النبيل ووجوه من فيه يمكن القول بأنهم أصحاب فكرة، والأفكار تنتصر على الطائرات والبارود، ويمكنها بالإيمان والإنسانية أن تكسر الحصار القاتل.
أعلام فلسطين التي رفعوها، وأجواء التصميم على هزيمة جنون المحتل، تعلي من الإحساس بالطمأنينة، فالضمير البشري ما زال حيًّا وحرًّا وساطعًا.
بإيحاء من إنسانيتهم وبدافع من ضمائرهم حولوا الغضب إلى فعل سياسي، سفن تواجه الأمواج وترفض الخوف وتتحدى الخطر.

الإنسانية في مواجهة الفيتو

في التزامن بين الأسطول النبيل، والفيتو الأمريكي الذي أجهض- من جديد- منذ أيام مشروعًا أمميًا لدعم غزة وأهلها، وإخراج القطاع من مأساته، والخلاص من المجاعة التي تحولت لسلاح حرب، يبدو المشهد واضحًا بلا تأويل.
غدت سفينة الناشطين تبحر بلا سلاح إلا الإنسانية، بينما سقطت القيم المزعومة عن أمريكا وهي تستخدم الفيتو لترسيخ القتل والتجويع والإبادة.
بحر من الضمير يتحرك، ليواجهه قرار يمكن وصفه باطمئنان بأنه قاع بلا نهاية.
على مدار عامين من الحرب والعدوان الإجرامي كان الفيتو الأمريكي هو المنقذ الأهم للكيان المحتل من الإدانة الدولية.
استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية مرات لتساعد إجرام الكيان الإرهابي على الإفلات من العقاب.
عجز النظام الدولي المتهالك أن يمرر قرارًا واحدًا على مدار 23 شهرًا يمنح لأهل غزة القليل من الأمان.
ليس في هذه القرارات ما يوقف الحرب المجنونة، بل هي مجرد مطالبات بإدخال المساعدات ورفع الحصار.
أبسط القرارات والالتزامات أوقفها الانحطاط الأمريكي، وعرقلها في القاعة الفخمة التي تضم ممثلي أنظمة العالم.
حصار ليس فقط للعدل والعدالة والانتصار للحق، بل ضربات موجعة لكل من ما زال يؤمن بعدالة هذا النظام الدولي الموبوء.

شريكان يقتسمان الأدوار

بعد الفيتو الأمريكي بدا الأمر وكأن الشريكين يقتسمان الأدوار.
شريك يقتل وآخر يبرر جرائمه ويرفض عقابه.
أيهما أصدق؟
أيهما أبقى أثرًا في وجدان الناس؟
بشر جاءوا من كل مكان في العالم لرفع الظلم وترسيخ العدل، أم دولة كبرى سقطت بامتياز في اختبار الحق والإنسانية ورفض الظلم والتجبر؟
بدت المفارقة مذهلة: أناس عاديون يتمسكون بكل ما يتشدق به العالم عن القانون الإنساني الدولي، بينما دول كبرى تسقط بشكل مدوٍ وهي تعرقل قرارات ترفع قليلًا من الظلم من على أكتاف مدنيين عزل يواجهون حرب إبادة مجرمة منذ عامين.
الآن لا يمكن أن يظل الخطاب السياسي متمسكًا بالولايات المتحدة الأمريكية كوسيط في إيقاف الحرب.
هي- بالفعل والواقع- مساند مباشر، وداعم رئيسي، وشريك في القتل.
هذا دور ارتضته أمريكا، وبات على العالم إعلانه.
وعلى الشعوب تفهمه والإيمان به.

العرب غياب

في المشهد الكبير لا يظهر العرب.
النظام الرسمي العربي يشاهد من بعيد.
يرى الأسطول وهو يرفع أعلام الناشطين الأوروبيين، ويشاهد الفيتو وهو يفتح الطريق لآلة القتل المجرمة.
في الحالتين لم يفعل العرب أكثر من الصمت.
لا هم دعموا الأسطول الإنساني بما هو واجب، ولا أدانوا الفيتو السافل بما يليق.
هو الصمت المعبر عن قدرات النظام الرسمي وفاعليته في النظام الدولي.
بدا الصمت العربي بعد الفيتو الشائن أشبه بمن ينجو بنفسه ..
بات العرب أشبه بمن دخلوا في غيبوبة، أو فقدوا الذاكرة ولم يدركوا ما حدث.
وبتنا مدركين أن ناشطي الأسطول، وأمثالهم، يقومون بالدور الواقع على الأنظمة.
يحاولون كسر الحصار.
يدينون الإجرام الإسرائيلي.
ويضعون الضمير العالمي في مواجهة مع واقع مرعب.
الآن صار دور الأسطول الإنساني النبيل أكثر تأثيرًا وأهم أثرًا من كثير من السياسات الرسمية البائسة.
هؤلاء الذين تجنبوا “بحر السياسة” واستسلموا للواقع، بينما حاول آخرون مواجهة هذا البحر المليء بأمواج الخوف والحصار.
هو مشهد درامي بامتياز.
بشر عاديون في المواجهة، بينما الأنظمة التي تملك الأموال والسلطة والسلاح تتراجع وتصمت.
ربما يصبح البشر هم القوة الأهم في مواجهة انفلات المحتل وإرهابه.
وربما تكون هذه المواجهة “الرمزية” هي الإيذان بميلاد زمن آخر.
زمن الإنسان والضمير والعدالة.
عدالة يصنعها البشر بأنفسهم دون انتظار لأنظمة سقطت في الاختبار الأول من كتاب التاريخ.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان