عدوان إسرائيلي فاشل.. وهذا هو الرد المطلوب

العدوان المباغت الذي شنه الكيان الصهيوني عبر طائرات ضد مقر لقيادة حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، اليوم الثلاثاء، فشل في تحقيق هدفه الرئيسي وهو الإجهاز على القيادة السياسية لحركة حماس، وعلى الأخص فريقها التفاوضي الذي كان في اجتماع لمناقشة الرد على مقترحات الرئيس الأمريكي ترامب لإنهاء الحرب في غزة.
أصاب العدوان أبرياء آخرين تصادف وجودهم في المكان، لكن فشله في إصابة هدفه الأصلي يُعَد أكبر فشل عسكري له بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، هذا الفشل سيضاف إلى قائمة العمليات الفاشلة السابقة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية،والتي كان منها فشل اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس في العاصمة الأردنية عمان عام 1997، ومحاولة قتل محمود الزهار في 2003، وفضيحة لافون 1954 (عمليات للموساد ضد أهداف بريطانية في مصر ونسبتها إلى حركات مصرية لإفشال اتفاقية الجلاء وقد كشفها الأمن المصري)، واعتقال السلطات المصرية أيضًا لعملاء موساد استهدفوا قتل علماء ألمان في مشروع الصواريخ المصري عام 1962 فيما عُرفت بعملية “ديموقليس”، والأهم من كل ما سبق هو الفشل في اكتشاف عملية طوفان الأقصى ومنعها.
هدف نتنياهو المزدوج
جاءت عملية الدوحة الفاشلة عقب عمليتين ناجحتين في يوم واحد للمقاومة الفلسطينية أحدثتا صدمة جديدة في الكيان، كانت أولاهما في القدس المحتلة، وقُتل فيها 6 إسرائيليين، وأصيب ضعفهم، بينما كانت الثانية في غزة وقُتل فيها 4 جنود داخل دباباتهم، كما أن العملية استهدفت قطع الطريق على موافقة حمساوية على خطة ترامب الأخيرة، ومن ثَم فقد أراد نتنياهو من هذه العملية ضرب عصفورين بحجر واحد، فهو أراد رفع الروح المعنوية لجنوده وشعبه بعد عمليتي القدس وغزة، وهو أراد قطع الطريق على جهود إنهاء الحرب، وقد فشل في الأولى بينما نجح مبدئيًّا في الثانية.
نجاح نتنياهو في وقف جهود التفاوض لإنهاء الحرب وإنهاء أزمة الأسرى هو نجاح شخصي مؤقت له ينقذه من اتهامات ومحاكمات تنتظره، ولكنه فشل لكيانه وشعبه، فالأسرى لن يعودوا عبر عمل عسكري، وقد فشلت العمليات العسكرية على مدى عامين في تحريرهم باستثناء أسيرين، وقد يتمكن من العثور على جثث بعضهم بعد المزيد من المعارك التي يفقد فيها المزيد من الجنود والضباط.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4كردي فقط أم سوري فقط؟
- list 2 of 4بعد تدخل الرئيس.. انتخابات مصر لا نريدها فرصة ضائعة
- list 3 of 4الفاشر.. حين تتقاطع الجغرافيا بالنبوءة والتاريخ
- list 4 of 4أوروبا على صفيح ساخن.. فضيحة فساد أوكرانيا تهز برلين وتربك زيلينسكي
تبدو حماس الآن أكثر أخلاقية، حيث لم ترفض العروض التي قدَّمها إليها الوسطاء لإنهاء الحرب بما فيها عرض ترامب رغم ظلمه الشديد، ولا يستطيع أحد أن يلومها الآن على أي تصعيد تستطيع تنفيذه، هي أو غيرها من فصائل المقاومة، أو عموم الشعب الفلسطيني المقاوم، بل إن هذه العملية الفاشلة الأخيرة لنتنياهو في الدوحة ستسهم في انحياز المزيد من الرأي العام الدولي إلى القضية الفلسطينية، وتمنح زخمًا كبيرًا للتحركات الشعبية الدولية لكسر الحصار على غزة.
رسالة إلى الشرق الأوسط
على خلاف معظم العمليات القذرة التي لم تعترف بها إسرائيل، إلا أنها سارعت إلى الاعتراف بهذه العملية، وخرج نتنياهو متفاخرًا بأنه من أصدر الأمر بهذه العملية بعد عمليتي القدس وغزة، كما أعلن رئيس الكنيست أن العملية هي رسالة إلى الشرق الأوسط كله.
ما حدث هو منتهى العربدة والاستهتار بالنظام الدولي، وهو انتهاك واضح لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة نذرت نفسها لنشر السلام، وحل الأزمات، وهو عدوان على كل دول المنطقة حسبما أعلن رئيس الكنيست، ومن ثَم فإنه يستلزم ردًّا جماعيًّا من هذه الدول في إطار التضامن العربي والإسلامي، ولأن عدم الرد سيغري العدو بالمزيد من الاعتداءات ضد دول أخرى تباعًا، وها هو يتحرش بمصر ولبنان وسوريا، وإذا لم يجد ما يردعه فإنه سيتمادى في تحرشه وصولًا إلى عدوان سافر كما يفعل بشكل مستمر في سوريا.
تحركات عاجلة مطلوبة
حالة الوهن التي أصابت أمتنا العربية والإسلامية هي التي شجعت العدو على هذا العدوان الأخير على سيادة قطر، وقبله شجعته على اجتياح وتدمير غزة، والسعي لتهجير أهلها منها، والسعي لضم الضفة الغربية، وإذا لم تستخدم الدول العربية والإسلامية ما تبقى بيدها من أوراق ضغط فإنها ستدفع أثمانًا باهظة من سيادتها وكرامتها، ولعل التحرك المطلوب بشكل عاجل هو عقد قمة عربية وإسلامية طارئة خلال هذا الأسبوع، على أن يصدر من هذه القمة قرار واضح بقطع العلاقات مع الكيان للدول المطبّعة، ووقف مسار التطبيع المحتمل للدول الأخرى، والانضمام إلى التحركات الدولية لمحاكمة الكيان وعزله دوليًّا مثل مجموعة لاهاي، والقضايا المرفوعة ضد الكيان في محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، والسعي لعقد جلسة طارئة أيضًا لمجلس الأمن الدولي بهدف إدانة هذا العدوان ومعاقبة المعتدي. أعرف أن الفيتو الأمريكي ينتظر أي مساس بالكيان، لكن مشهد الاجتماع في حد ذاته سيكون جزءًا من حصار هذا الكيان وفضحه دوليًّا، وفضح الدولة المساندة له أيضًا، وتعريتها أخلاقيًّا.
ينبغي أيضًا أن يتشارك العرب والمسلمون، حكومات وشعوبًا ومنظمات مجتمع مدني، في جهود أخرى لمحاصرة الكيان وعزله دوليًّا في كل المؤسسات والفعاليات الدولية، ليس فقط السياسية، بل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية، حتى يشعر هذا الكيان بأنه منبوذ دوليًّا، وليس أمامه سوى القبول بالدولة الفلسطينية الكاملة السيادة وعاصمتها القدس.
