ماذا تريدون من سوريا؟ وكيف تريدونها؟

الرئيس السوري أحمد الشرع (الفرنسية)

بعد عقد ونصف من الألم والمعاناة والتهجير القسري والقتل والجوع والحرمان، شاءت الأقدار، أو شاء الله، أو شاءت أمريكا أو إسرائيل -أيّا يكن السبب- أن يسقط نظام الأسد المجرم، وأن تسارع قوات ردع العدوان إلى تسلُّم زمام الأمور. على افتراض أن هذه القوات لم تحرّر، وإنما كانت هناك لعبة، وهي أحد اللاعبين، وتسلَّموا الحكم.

ثم بدأت المرحلة الانتقالية، التي تمتد على أقل تقدير خمس سنوات كما تحدَّث كبار رجال علم الاجتماع والعلوم السياسية. وبدأت دول العالم بالتعبير عن قبولها ودعمها لهذا الحكم، وصار واضحًا حتى لأعمى البصيرة أن هذه الحكومة ليس لديها أي رغبة في فتح معارك جديدة، حتى أنها تغض النظر عن كثير من مجرمي العهد البائد. ولولا تدخلات الدول المتضررة من سقوط الأسد، ودعمها فلول النظام في الساحل والسويداء، لما حدث ما حدث من “مجازر” وانتهاكات. ومنذ دخول قوات الردع إلى مدينة حلب شاهد العالم كله حالة التعاطي الجيدة مع الأقليات.

أخطاء الدولة الوليدة ومواقفها

يمكننا وضع كثير من الملاحظات والتحدث عن الكثير من الأخطاء التي وقعت وتقع وستقع فيها الحكومة، فهل تُعالَج هذه الأخطاء بثورة جديدة، أو برفض قاطع لما تقوم به؟ العالم والسوريون حتى يومنا هذا لم يروا في الشرع أنه امتداد للجولاني أو لأي فكر ديني متطرف، ولم يروا فيه أي امتداد لحزب الإخوان المسلمين، والشرع ذاته صرَّح بأنه ليس امتدادًا للربيع العربي، فلماذا كل هذا العداء لهذه الحكومة؟

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

نطالع دكاكين الإعلام اللبناني، فنجدها قد تركت كل المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي نزلت بلبنان إلى أوسخ مستنقع، وأمسكت بالشرع والحكومة السورية نقدًا وتجريحًا، وفي كثير من الأحيان تصل الإساءة حتى للشعب السوري.

نطالع الإعلام العراقي، فنجد الأمر كذلك، إذ ينسى كل ابتلاءاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويتفرغ لشتم الشرع والحكومة السورية وكأنهم احتلوا محافظة عراقية!
ولو ذهبنا إلى الإعلام المصري “الشقيق” فسنجد الصورة ذاتها تتكرر.

ماذا يريد الأشقاء في لبنان أو العراق أو مصر من سوريا المهشمة المحطمة التي لم تعد تملك من القوة شيئًا؟ ولماذا يُشغّلون كل هذه الأبواق في الهجوم على الحكومة السورية؟

يمكننا أن نلتمس العذر أو نتفهم بعض السوريين في هجومهم على الحكومة، فعدد المتضررين من سقوط النظام كثيرون جدًّا، وعدد المغيَّبة عقولهم بالمساطر النظرية اليسارية كثيرون جدًّا، وعدد أصحاب الثارات من أبناء الفصائل التي فكَّكتها جبهة النصرة، أو قضت عليها، كثيرون أيضًا. ويمكن أن نتفهم أيضًا بعض العراقيين واللبنانيين الذين خسروا الكثير من امتيازاتهم بسقوط النظام بعد أن كانت فصائلهم تصول وتجول وتسرق وتدمّر في سوريا.

لكن غير المفهوم حقًّا هو موقف الإعلام المصري من هذه الحكومة، وأنا على يقين أنه ليس موقفًا شعبيًّا، فلماذا يسعى هذا الإعلام عبر أبواقه الخاصة إلى زرع فتنة بين شعبين وحَّدهما التاريخ، ولم يستطع التاريخ نفسه بأشد مراحله قسوة واسودادًا أن يفرّق بينهما؟

القنبلة التي فجَّرها حديث الشرع

في لقاء متلفز قال الشرع حرفيًّا “لدينا علاقة مثالية مع تركيا والسعودية وقطر والإمارات، وهذه دول ناجحة على ما أعتقد -مع احترامي لدول مثل مصر والعراق- وبقية الدول لديهم نجاح، لكن هذه الدول تعمل بجهد مضاعف وسرعة فائقة”.

تشبَّث الإعلام المصري بالعبارة، حذف منها ما حذف، وأضاف ما أضاف، ثم بدأ هجمته الشرسة. ومن يقرأ تعليقات الجمهور الذي لا يكلّف نفسه عناء البحث عن الحقيقة، يجد أنه ينساق إلى حفلة الردح والشتم. من أجل ماذا؟ ولماذا؟ لا أحد يمتلك القدرة على التفكير باستقلالية. ثمَّة راعٍ، وثمَّة عصا، وثمَّة قطيع. والحالة القطيعية ليست حالة خاصة بشعب معيَّن، فكل شعوب الأرض -خاصة في مشرقنا المتخلّف- باتت، يا للأسف، قابلة لأن تُقاد عبر الإعلام.

لدى الحكومة في سوريا أخطاء من حق السوريين وحدهم التحدث بها، ومعالجتها بالكلمة أو بالمظاهرة أو عبر أحزاب أو مؤسسات مدنية. ولهم وحدهم الحق في اختيار الشكل المناسب لبناء دولتهم. وكما تحترم سوريا بقية دول العالم، وتريد بناء علاقات إنسانية مع الجميع، فمن حق السوريين على بقية الدول أن يُعامَلوا باحترام.

وعند الإساءة الإعلامية إلى الحكومة السورية من أي جهة كانت، يجب أن يتذكر الإعلامي أن هذه الحكومة مدعومة من أغلبية الشعب السوري، وهو من ثَم يسيء إلى هذه الأكثرية. فهل يقصد الإساءة مدفوعًا برأيه الخاص أم برأي مُشغّله؟ وإذا كانت سوريا اليوم بهذه الهشاشة، فهي بعد سنوات قليلة جدًّا قد لا تكون كذلك.

وهذا الشعب الذي أدمن التوثيق ينتظر بفارغ الصبر اكتمال الجسم القضائي ليبدأ مرافعاته القضائية ضد كل من أجرم أو أساء حتى بالكلمة إليه، ولن يفرّق بين سوري وغير سوري في هذا الأمر.

وكلي أمل أن تنتهي حالة القطيعة هذه بين سوريا ومصر في أقرب وقت ممكن، لأننا نعيش في عصر بات فيه استعداء الشعوب أمرًا ممكنًا جدًّا مع ازدياد حالات الجهل والغباء في مجتمعاتنا، ومع حالات ازدياد الانقياد الأعمى لرغبات الحكّام وإعلامهم.

وكما أقدم عجوز أمريكي على قتل طفل فقط لظنه أنه فلسطيني، مدفوعًا بتجييش إعلامي، وأقدم كثيرون على جرائم في مختلف أنحاء العالم للسبب نفسه، فمن السهل جدًّا أن يظهر بيننا من يقوم بذلك، إن كان في مصر أو العراق أو سوريا أو لبنان.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان