سوريا: ما دور السلطة في اشتعال الفتنة الطائفية؟!

لحظة سقوط النظام خرج الشعب السوري من قبر، خرج إلى حياة جديدة يحدوه الأمل بأن تكون كريمة وحرة، واستطاع المحررون كبح جماح أصحاب الثأر، كي لا يثأروا لقتلاهم، بدافع بناء وطن جديد لكل السوريين، لكنّ الفتنة التي أيقظها النظام البائد كانت ما تزال تتحين الفرصة للانقضاض على فريستها، لم يتأخر تجار “الكبتاغون”، وعملاء النظام البائد، وعملاء الخارج بوضع العصي في العجلات، ولم يتأخروا بإمداد الفتنة بكلّ مقومات البقاء في حالة جاهزية تامة للقضاء على الدولة الحالية.
مأزق السلطة الجديدة في سوريا
الخطأ الذي ارتكبته السلطة الجديدة أنها لم تستخدم شرعيتها الثورية، وأصدرت أولى قراراتها الخطأ بإعلان التسوية، على أمل أن يشارك الشعب السوري بكل مكوناته في بناء الدولة، لكن “غياث دلة” الضابط الأسدي وأتباعه كان لهم رأي آخر في الساحل السوري فقاموا بأول انقلاب على السلطة، ما أدى إلى مجازر طالت الطرفين وذلك لصنع مظلومية جديدة، وبغض النظر عن طريقة القضاء على هذا الانقلاب، نستطيع القول إنهم بدل أن يسهموا في وأد الطائفية أمدوها بوقود جديد، كان وقوده دماء الكثير من الأبرياء، ولأن إسرائيل خلف كل هذه الفتن منذ صرّح مسؤولوها باستعدادهم لحماية الدروز، فقد أسس المجلس العسكري في السويداء من فصائل “الهجري” وبعض ضباط النظام، وأعلنوا احتماءهم بإسرائيل التي صرّح وزير ماليتها قبل يومين أن الشرط الأول لإنهاء الحرب التي تشنها على غزة هو تفكيك سوريا! وبكل تأكيد لن تأتي إسرائيل بجيشها لترعى هذا التفكيك، وإنما عبر أدواتها في هذا المجلس العسكري الذي يرعاه شيخ العقل “حكمت الهجري” الذي أبدى استعداده لقتال دمشق، كما أبدى ضباط “الكبتاغون” في المجلس العسكري استعدادهم لتحرير دمشق!
الفبركة الإعلامية ودورها في إذكاء نار الفتنة الطائفية
استخدم هؤلاء الوسيلة الأكثر انتشارًا لزيادة استعار الفتنة في أشرفية صحنايا عبر فبركة “فيديو” بصوت وصورة أحد شيوخ العقل يشتم فيه النبي محمّدًا ممّا أثار حفيظة شباب السنة فكان أن قام الفصيل الدرزي في أشرفية صحنايا باعتداء على رجال الأمن، وتدخّل أحد الفصائل السنية للدفاع عنهم، وبدأ الرصاص يقول كلمته، وبتدخل رجال الأمن العام لفض الاشتباك خسروا سبعة عشر عنصرًا منهم، وحوّمت المسيرات الإسرائيلية لأول مرة لتنفِّذ غارتين فوق مدنيين، بهذا استطاع هذا الفصيل الدرزي الذي يُفترض أنه من أبناء جلدتنا (السورية) باستجلاب طيران العدو. انتهت المعارك في أشرفية صحنايا بكلّ ما فيها من تجييش طائفي، وربما بدأت الدولة بتطهير المنطقة منهم بعد أن هرب قسم منهم إلى السويداء ويبدو هرب ليواصل المعركة من هناك!
من المؤكد أن من فبرك “الفيديو” -وقد عرف من هو وانتشرت صوره على مواقع التواصل الاجتماعي- لا يمتلك من الذكاء ما يجعله يعرف أبعاد التحريض الذي قام به، فالفتنة تحتاج إلى إدارة أكبر من التافهين الذين تستخدمهم، وبالتأكيد تلك الحركات مدروسة وهي ضمن المخطط القائم للقضاء على السلطة الحالية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsحين يصبح الترفيه دعوة.. والدعوة ترفيها
الشريعة وميراث حفيدات الدجوي
قرار تسوية أراضي الضفة.. إذن رسمي للاستيلاء
وهؤلاء لم يستعينوا بإسرائيل ويطلبوا حمايتها عبثًا، لقد قدّمت لهم عروض الحماية في الخفاء، كما ساعدهم الجيش الإلكتروني الإسرائيلي في نشر الأكاذيب التي صدّقها القطيع المحتقن طائفيًّا، وتداولوها -كالعادة- على أنّها حقائق موثّقة بالصور والمقاطع الصوتية، ومعظم الذين قاموا بالتحريض، وطلب التسلح، والفزعة لقتل عناصر الأمن العام والثأر هم خارج سوريا، ولن يفكروا يومًا بالعودة إليها والقتال مع أبناء طائفتهم!
الاعتدال والعقل سلاح السلطة الجديدة في مواجهة الفتنة.
وفي خضم هذه المعركة لم نشهد ولو أدنى كلمة مما يُصرح به النظام الجديد في سورية تنطوي على بعد طائفي في حين نرى الكثير من (النخب) للأسف تنقاد خلف أهوائها الخاصة في إمداد الطائفية بالوقود، وواضح للجميع أن هذه السلطة تحاول منذ أول يوم لملمة الجراح، ولمّ شمل الأطياف السورية بأقلّ قدر من الدماء، لكن أصحاب الأجندات الخارجية دائمًا لهم رأي آخر، حتّى لكأن الأمر يبدو بشكل جلي أنهم لا يريدون رئيسًا من الأكثرية السنية، ويستخدمون كل وسائل التقية تارة بحجة شكل الدول، وأخرى بحجة الفصائل الإرهابية، ولا يتورعون عن استخدام ما يمسّ بالمشاعر الدينية، لإبقاء إمكانية الحرب قائمة بما يخدم تصريح وزير المالية الإسرائيلي، ولولا وقوف أكثرية الطائفة الدرزية من محامين ومعلمين ونخب مثقفة بالإضافة إلى بعض شيوخ العقل الوطنيين لكان لهم ما أرادوا، والخوف كلّ الخوف أن يشتعل فتيل الصراع بين مسلحي المجلس العسكري ومسلحي الجانب الوطني، فالتراب السوري أُشْبِع دمًا وآن لصوت العقل الوطني أن يقول كلمته.
بوصلة الأكراد التائهة
يتبقى ثالثة الأثافي في الفتنة متمثلة بأتباع حزب العمال الكردستاني الذين يفرضون كلمتهم على أكراد سوريا الوطنيين، ويحتكرون تمثيل الكرد، رغم وجود الكثير من الأصوات الكردية السورية التي تسعى لبناء وطن، فرغم التوقيع بين الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي على الاتفاق التاريخي بينهما، إلا أن المماطلات من جانب قسد ما تزال قائمة، ويسعى أتباع “قنديل” بكلّ عزم وإصرار إلى المواجهة.
ويبقى الأمل كبيرًا جدًا في أن تنتهي الأمور دون إراقة دماء، وإذا كانت السلطة الجديدة قد أعطت الملف الخارجي اهتمامها كلّه، فأعتقد أنه قد آن الأوان للالتفات إلى الملف الداخلي الذي طال إهماله، ويأتي في أولويته التعامل بحزم مع السلاح المنفلت إن كان بأيدي الأقليات وإن كان بأيدي بعض الفصائل السنية التي ما تزال تعمل منفردة، فجمع السلاح هو الخطوة الأولى لعودة بقية المهجّرين والنازحين، وما لم يُجمع هذا السلاح فسيبقى حلم العدالة الانتقالية بعيد المنال.